كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 33)

فدل ذلك أن التزيين للقرآن إنما هو تحسين الصوت به؛ ليعظم موقعه في القلوب وتستميل مواعظه (من النفوس) (¬1)، ولا ينكر أن القرآن يزين صوت من أدمن قراءته، وآثره على حديث الناس، غير أن جلالة موقعه من القلوب والْتذاذ السامعين به لا يكون إلا مع تحسين الصوت به (¬2).
واعترض ابن التين فقال: ظن الشارح -يعني ابن بطال- أن غرض البخاري إثبات حكايته قراءة القرآن بتحسين الصوت، وليس كذلك، وإنما غرضه الإشارة إلى ما تقدم من وصف التلاوة بالحسن والتحسين، والرفع والخفض، ومقارنة الحالات البشرية؛ لقولها: (قرأ القرآن في حجري وأنا حائض). فهذا كله يحقق أن القراءة فعل القارئ، ومتصفة بما تصف به الأفعال، ومتعلقة بالظروف المكانية والزمانية.
فصل:
وقوله في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: "ارفع صوتك بالنداء": فيه دليل أن رفع الصوت وتحسينه بذكر الله في القرآن وغيره من أفعال البر؛ لأن في ذلك تعظيم أمر الله والإعلان بشريعته، وذلك يزيد في التخشع وترقيق النفوس.
فصل:
وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - ففيه معنى ما ترجم به من المهارة بالقرآن؛ لأنه - عليه السلام - كان قد يسر الله (عليه) (¬3) قراءته حتى كان يقرؤه على كل أحواله لا يحتاج أن يتهيأ له بقعود ولا بإحضار حفظ، لاستحكامه فيه
¬__________
(¬1) كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": النفوس.
(¬2) "شرح ابن بطال"10/ 542 - 546.
(¬3) في الأصل: (على)، والمثبت هو المناسب للسياق.

الصفحة 556