كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 33)

فصل:
قال الداودي: قال في القدر طائفتان: طائفة تقول: الله سبحانه ليس له في العباد شيء، واختلف هؤلاء: هل عَلِمَ اللهُ أفعالَ العباد قبل أن يخلقهم؟ وقال عبد الصمد ابن أخت عبد الواحد في طائفة يسيرة، وهم المعتزلة (المحض) (¬1): أن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، ودليلهم هذِه الآية وغيرها.
قال بعض الجهلة: إنما عَمَلُ الصانع فيها، وهو الذي أخبر الله تعالى أنه خلقهم وخلق أعمالهم. وخالفت القدرية أهل الحق، وذلك أن القدرية يقولون: الاستطاعة قبل الفعل، وقالت أهل السنة: الاستطاعة معه؛ لأنه إذا شغل نفسه بالترك لم يستطع أن يفعل شيئًا وضده، وإذا أخذ في الفعل فارق الترك، وكانت الاستطاعة مع الفعل، ووقت الله تعالى الأوقات؛ إذ خلق أولها ولم تكن مؤقتة في الأزل إلا من حين أقتت لم يكن لها في الأزل مؤقتًا، ولو كان ذلك لكان الصانع محدثًا تعالى عن ذلك.
وقوله للمصورين: ("أحيوا ما خلقتم") فإنما للمصورين الصنعة ليس خلق الأجسام، وقد سبق عن ابن عيينة: بين الله الخلق من الأمر، يريد: أن الخلق هو المخلوق، والأمر كلامه تعالى وليس بمخلوق، وهو قوله: كن، وقيل: هو مثل قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68]. وقيل: المعنى وتصريف الأمر.
وقيل: الخلق: كل شيء خلق، والأمر يعني: قضاه في الخلق الذي هو في اللوح المحفوظ، وقيل: الخلق الدنيا، والأمر الآخرة.
¬__________
(¬1) كذا بالأصل.

الصفحة 580