كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 33)

فصل:
فيه فضل عظيم للمدينة شرفها الله تعالى، وذلك تغليظ الوعيد بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين لمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، وفي حديث علي السالف: "لا يقبل منه صرف ولا عدل" (¬1)، ودل الحديث على أن من آوى أهل المعاصي والبدع أنه شريك في الإثم، وليس الحديث دالًا على أن من فعل ذلك في غيرها أنه غير متوعَّد ولا ملوم على ذلك؛ لتقدم العلم بأن من رضي فعل قوم وعملهم أنه منهم وإن كان بعيدًا عنهم، فهذا الحديث نص في تحذير فعل شيء من المنكر في المدينة، وهو دليل في التحذير من إحداث مثل ذلك في غيرها، وخُصَّت بالذكر؛ لأن اللعنة له أشد والوعيد آكد لانتهاكه ما حُذِّر عنه وإقدامه على مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان يكرمه من تعظيم شأن المدينة المشرفة بأنها منزل وحيه وموطن نبيه، ومنها انتشر الدين في الأقطار فكان لها بذلك فضل مزية على سائر البلاد.
وقد أسلفنا اختلاف العلماء فيما يقطع من شجرها وما يصاد من صيدها آخر الحج فسارع إليه، والحديث قال على حرمة اصطيادها، وفي الضمان خلاف العلماء، والجديد عندنا: لا ضمان. وهو ما في "المدونة"، والقديم: نعم، وهو قول ابن أبي ليلي ونافع وابن أبي زيد (¬2)، وقال أشهب: عند محمد عن مالك في منع أكله ليس كالذي يصطاد بمكة، وإني لأكرهه، وقيل: لا يؤكل (¬3).
¬__________
(¬1) سلف قريبًا برقم (7300).
(¬2) انظر: "المدونة" 1/ 335، "النوادر والزيادات" 2/ 487، "البيان" 4/ 265.
(¬3) "النوادر والزيادات" 2/ 478.

الصفحة 64