كتاب الحث على التجارة والصناعة لأبي بكر بن الخلال

119 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، §قَالَ ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، التَّوَكُّلَ، فَأَجَازَهُ لِمَنِ اسْتَعْمَلَ فِيهِ الصِّدْقَ
120 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ، جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَيَقُولُ: أَجْلِسُ وَأَصْبِرُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا أُطْلِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا، وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى أَنْ يَحْتَرِفَ، فَقَالَ: §لَوْ خَرَجَ فَاحْتَرَفَ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَإِذَا جَلَسَ خِفْتُ أَنْ يُخْرِجَهُ جُلُوسُهُ إِلَى غَيْرِ هَذَا، قُلْتُ: إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يُخْرِجُهُ؟، قَالَ يُخْرِجُهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ يَتَوَقَّعُ أَنْ يُرْسَلَ إِلَيْهِ، قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ يُبْعَثُ إِلَيْهِ بِالشَّيْءِ فَلَا يَأْخُذُ، قَالَ: هَذَا جَيِّدٌ. قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ رَجُلًا بِمَكَّةَ قَالَ: لَا أَكَلْتُ شَيْئًا حَتَّى يُطْعِمُونِي، وَدَخَلَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، فَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِخِرْقَةٍ فَأَلْقُوا إِلَيْهِ قَمِيصًا، فَلَمْ يَلْبَسْهُ، وَأَخَذُوا يَدَيْهِ فَأَلْبَسُوهُ الْقَمِيصَ، وَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ فَلَمْ يَأْكُلْ، حَتَّى وُضِعَ مِفْتَاحُ حَدِيدٍ فِي فِيهِ، وَجَعَلُوا يَدُسُّونَ فِي فَمِهِ، فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَجَعَلَ يَعْجَبُ. قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ رَجُلًا تَرَكَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي يَدِهِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ، وَتَرَكَ دُورَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَكَانَ يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ، فَإِذَا -[178]- رَأَى شَيْئًا مَطْرُوحًا أَخَذَهُ مِمَّا قَدْ أُلْقِيَ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ فَقُلْتُ أَنَا لِلرَّجُلِ: أَيْشٍ حُجَّتُكَ فِي ذَا؟ مَا أَرَى لَكَ عَلَيْهِ حُجَّةً غَيْرَ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدِ، قَالَ الرَّجُلُ: بَلَى، أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، كَانَ يَمُرُّ بِالْمَزَابِلِ فَيَلْقُطُ الرِّقَاعَ، فَصَدَّقَهُ وَقَالَ: قَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ جَاءَنِي نَفْسَانِ يَسْأَلُونِي عَنْ مِثْلِ ذَا، فَقَالَ يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ فَيَجِدُ الشَّيْءَ مِثْلَ الْبَقْلِ وَنَحْوِهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: لَوْ تَعَرَّضْتُمْ لِعَمَلٍ تَشْهِرُونَ أَنْفُسَكُمْ، قَالُوا: وَأَيْشٍ نُبَالِي مِنَ الشُّهْرَةِ؟

الصفحة 177