كتاب تاريخ أمراء المدينة المنورة

105
محمد وإلى خلاف آل مروان، فلم يزل يختلف في كل سنة حتى وافى عبد الله بن يحيى في آخر سنة 128هـ.
فقال له: يا رجل أسمع كلاماً حسناً، وأراك تدعو إلى حق، فانطلق معي، فإني رجل مطاعٌ في قومي، فخرج حتى ورد حضرموت، فبايعه أبو حمزة على الخلافة، ودعا إلى خلاف مروان وآل مروان (1)، طلع مع جيشه على عرفة سنة 129هـ وعليه الأعلام والعمائم السود قادمين من عرفات، وقد توسط أعيان قريش معه حتى وافق على تأجيل موعد هجومه على مكة ريثما ينقضي الحج فوافق على هدنة قائلاً: نحن بحجنا أضن وعليه أشح، فوقفوا بعرفة على حدة، فنزل عبد الواحد النصري أمير الحجاز في منزل السلطان، وكان بمنى، ونزل أبو حمزة بقرين الثعالب، فلما كان يوم النفر الأول نفر عبد الواحد فيه، وخلى مكة، ودخلها أبو حمزة بغير قتال، وقد أسهب الطبري وابن الأثير في الحديث عن المذكور وأفكاره قبل دخوله إلى مكة (2). ثم مضى إلى المدينة المنورة، حيث جرت في قديد معركة شرسة بينه وبين أهل المدينة قتل فيها مئات من أعيان قريش وأهل المدينة وذلك في سنة 130هـ (3).
وقد خطب في أهل مكة والمدينة خطبتين نورد بعض أهم ما جاء بهما وذلك للتعرف على أفكاره في ذلك الحين (4):
يا أهل مكة تعيروني بأصحابي، تزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شباباً؟ أما إني عالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ فوق أيدكم، نعم شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال، غيبة عن الشر أعينهم، بطية عن الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل، مُنثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقاً إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأنما زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم، كِلالُ ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم - وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة
__________
1 - العقد الثمين ج7 ص154، الكامل في التاريخ ج5 ص151، غاية المرام ج1 ص287. 2 - انظر تفاصيل أعماله في مكة في تاريخ الطبري ج7 ص374 - 393 وما بعدها. 3 - تاريخ الطبري ج7 ص393، وما بعدها. 4 - تاريخ الطبري ج7 ص394، تاريخ خليفة ص584 وما بعدها

الصفحة 105