كتاب تاريخ أمراء المدينة المنورة

106
أجسامهم، من طول القيام وكثرة الصيام - مستقلين بذلك في جنب الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، إذا رأوا سهام العدو فُوقت ورمامحهم قد أُشرعت، وسيوفهم قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة منهم قدماً، حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، وقد رُمِّلت محاسن وجهه بالدماء - وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كفٍ قد بانت بمعصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل، وكم من خدٍ رقيق، وجبين عتيق قد خلق بعمد الحديد، رحمة الله على تلك الأبدان, وأخل أرواحها الجنان (1) وخطب في المدينة الناس بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أهل المدينة، سألناكم عن ولائكم هؤلاء، فأسأتم لعمر الله فيهم القول، وسألناكم: هل يقتلون بالظن؟ فقلتم لنا: نعم، وسألناكم: هل يستحلون المال الحرام والفرْج الحرام؟ فقلتم لنا نعم، فقلنا لكم: تعالوا نحن وأنتم نناشدكم الله إلا تنحوا عنا وعنكم، فقلتم: لا يفعلون، تعالوا نحن وأنتم نقاتلهم .. بمن يقيم فينا كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فقلتم: لا نقوى، فخلوا بيننا وبينهم، فإن نظفر نعدل في أحكامكم، ونحملكم على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم .. (2). وقد أرسل له مروان بن محمد الخليفة من دمشق جيشاً بقيادة محمد بن عبد الملك السعدي، حيث دارت الدائرة على أبي حمزة وجيشه في المدينة ومكة وقتل في سنة 130هـ ومعظم أفراد جيشه وقواده (3). وقد ذكر ابن الأثير أن المعركة جرت في وادي القرى، وأن أبا حمزة ولي المدينة ثلاثة أشهر (4). وقد كان عبد العزيز القارئ المدني المعروف بيشكست، قد انضم إلى
__________
أبي حمزة، وكان على مذهب الخوارج، وكان قبل ذلك من أهل المدينة يكتم ميله للخوارج، وقد
1 - تاريخ خليفة ص584، تاريخ الطبري ج7 ص394. 2 - تاريخ خليفة ص593، تاريخ الطبري ج7 ص394. 3 - تاريخ الطبري ج7 ص398، تاريخ خليفة ص618، 595، اتحاف الورى ج2 ص163، العقد الثمين ج5 ص511 ت1885. 4 - الكامل في التاريخ ج5 ص390.

الصفحة 106