كتاب تاريخ أمراء المدينة المنورة

17
والذين يعنينا من البحث أن اليهود قطنوا في يثرب مع الأوس والخزرج، ولا نعلم المدة التي اشتركوا فيها حكم يثرب منفردين أو مجتمعين، ولكن من المعلوم فيما بعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن يثرب بعد سلسلة من المؤامرات والدسائس ضد المسلمين (1).
أما صلة الرسول صلى الله عليه وسلم بيثرب فيمكن أن نحددها بدءاً من تاريخ بيعة العقبة الأولى، حيث عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه في الموسم عند العقبة، على نفر من الخزرج، ونسوق الحديث: قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: أَمِنْ موالي يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون أُكلمكم؟ قالوا: بلى .. فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام، أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك، وأصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء، قالوا لهم: إنَّ نبياً مبعوث الآن، قد أطَلَّ زمانه، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تَسْبِقَنَّكُم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم في العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليه، فندعوهم إلى أمرك، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه في هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعزُّ منك.
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلاهم، وقد آمنوا وصدقوا.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم يبقَ دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نص البيعة: لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه بمعروف. فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غَشَيْتُم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب، وإن شاء غفر.
__________
العرب ص322، العقد الفريد ج3، 159، ط اللجنة، السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص347، دائرة المعارف الإسلامية ج3 ص150، المفصل في تاريخ اعرب قبل الإسلام ج4 ص128، وما بعدها، المغازي للواقدي ج2. ص441 وما بعدها، تاريخ قريش د. حسين مؤنس ص399 وما بعدها.
1 - انظر تفصيل ذلك عند الواقدي ج2 ص441 بالإضافة إلى المصادر السابقة.

الصفحة 17