كتاب وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في كل عصر

خلاف ذلك ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر، وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلَّا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلَّا بحقها وحسابهم على الله" (¬1). "ففيه أن الأحكام تجري على الظاهر والله يتولى السرائر، ولو شاء الله -تعالى- لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من خير حاجة إلى شهادة أو يمين، ولكن لما أمر الله -تعالى- أمته - صلى الله عليه وسلم - باتباعه والإقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه، أجرى له حكمهم في عدم الإطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه فأجرى الله -تعالى- أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره، ليصح الإقتداء به وتطيب نفوس العباد للإنقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن والله أعلم" (¬2).
وبما أن الشهادة إحدى الوسائل التي تعين القاضي على إصابة الحق، فقد وردت نصوص في القرآن والسنَّة تنهي عن الكذب في الشهادة وتحذر من كتمانها، فمن ذلك قوله -تعالى-: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (¬3)، وقوله -تعالى-: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ...} (¬4) الآية، وغير ذلك.
وقد وضع الفقهاء -رَحِمَهُمُ اللهُ- شروطًا إذا توافرت في الشاهد وُصِفَ بالعدالة، وإذا اختل شرط منها وصف بعدم العدالة، ولكن كلها لا تعدو أن تكون شروطًا ظاهرة من غير كشف عن سريرة الشاهد ومعرفة ما
¬__________
(¬1) صحيح مسلم 1/ 53 حديث رقم 20 مسلسل 35 باب 8 كتاب الإِيمان.
(¬2) صحيح مسلم بشرح الإِمام النووي 1/ 212، 12/ 5.
(¬3) سورة الحج: آية 30.
(¬4) سورة البقرة: آية 283.

الصفحة 126