كتاب وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في كل عصر

"فمع ما نرى من تنبيهه - عليه الصلاة والسلام - إلى أنه لا طاعة من المحكوم للحاكم إلَّا في المعروف أي في غير معصية ولا منكر نلاحظ أيضًا في التوجيه النبوي السياسي تأكيدًا آخر على إلزام الأمة المسلمة بالصبر على ما ترا 5 من مكروه لا يصل إلى حد الكفر البواح وإسداء النصيحة إلى الحاكم ولفت نظره وفكره إلى ما ينبغي أن يكون وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في الحدود الشرعية وعدم جواز الخروج عليه بالسلاح أو مخاشنته بل بدعوته بأرفق السبل ما دامت الشعائر مقامة والصلاة ينادى عليها في المساجد، ما لم يصل الأمر إلى الكفر الصريح والخروج السافر عن الإِسلام، روى البخاري في صحيحه (¬1) عن عبادة بن الصامت قال: "دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومسرنا ويسرنا وَأَثَرةٍ (¬2) علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلَّا أن تروا كفراً بواحًا (¬3) عندكم من الله فيه برهان".
أما إذا كان الحاكم يعرض عن الحكم بما أنزل الله عنادًا واستكبارًا ولا يقر شرع الله ولا يعترف به أو يقر بعضه وينكر بعضه فيدعو إلى فصل الدين عن الدولة وإبعاده عن الحكم والتشريع، فواجب المحكومين مع هذا الصنف من الحكام أن ينكروا ذلك عليهم ويبينوا الحق لهم وينصحوهم ما استطاعوا فإن ثابوا إلى رشدهم وإلَّا فينبغي أن يقف المحكومون منهم موقفًا سلبيًا من
¬__________
(¬1) 8/ 87، 88 - باب 2 من كتاب الفتن (رقم 92).
(¬2) الأثرة: بالفتح، أي إيثار الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها بانفسهم "اللؤلؤ والمرجان" 2/ 483.
(¬3) بواحًا: أي ظاهر باديًا "صحيح البخاري" المرجع السابق 8/ 87، 88 - باب 2 من كتاب الفتن.=

الصفحة 44