كتاب المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب (اسم الجزء: 1)

لم يصر كذلك بمجرد قوله.
يوضحه أَن القائل إِنَّه شافعي أو مالكي أو حنفي، يزعم أَنه متبع لذلك الإمام، سالك طريقه، وهذا إِنَّما يصح له إِذا سلك سبيلَه في العلم والمعرفة والاستدلال، فأَما مع جهله وبُعْده جدّا عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه، فكيف يصح له الانتساب إِليه إلَّا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أَن يصح له مذهب، ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره، ولا يلزم أَحدا قط أَن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث يأخذ أقواله كلها ويَدعُ أقوال غيره.
وهذه بدعة قبيحة حَدَثَتْ في الأمة، لم يقل بها أَحد من أَئمة الإسلام وهم أَعلى رتبة وأَجل قدراً وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك وأَبعد منه قول من قال: يلزمه أَن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء، وأَبعد منه قول من قال: يلزمه أَن يتمذهب بأَحد المذاهب الأَربعة.
فيالله العجب! ماتت مذاهب أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أَئمة الإسلام، وبطلت جملةً، إلَّا مذاهب أَربعة أَنفسٍ فقط من بين سائر الأَئمة والفقهاء؟ وهل قال ذلك أَحد من الأَئمة أو دعا إليه أو دلَّت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟ والذي أَوجبه الله تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أوجبه على مَنْ بعدهم إلى يوم القيامة، لا يختلف الواجبُ ولا يتبدل، وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان

الصفحة 67