كتاب المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب (اسم الجزء: 1)

ولذا كان الأَصل في شأن الفقيه: أن يكون مستقلاً لا يتقيد بمذهب معين، إنما يتقيد بنصوص الكتاب والسنة وما يؤدِّيه إِليه اجتهاده المقبول، وهو مأجور أَخطأ أَم أَصاب. وهذا كما أَنه عين الطواعية لله ورسوله، فهو من أَعظم الأَسباب لِإثراء الفقه، وتنميه الملكات الفقهية، والنشوء والتربية على مبدأ البحث واستقلال الفكر سَيْرا على منهاج النبوة.
وعليه فقد انعقدَ الإجماع على أَنَّه لا يجوز لِعَالِم أَن يُقلِّد غيره
إِذا كان قد اجتهدَ وتبين له الحق، والِإجماعُ أيضا على أَن التقليد المحرَّم بالنص والِإجماع هو كل تقليد يعارض قول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وأَن الشريعة لا يمكن حصرها بمذهب معين، أو قول مقنن، وأَنها حجة على كل مذهب ولا يجوز بحال أَن يحتج بالمذهب عليها، وما المذهب إلَّا قطرة من بحرها الزاخر.
وما الأَخذ بالدليل إِلاّ َتقليد في صورة ترك التقليد، لقول كل إِمام: " إِذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ولذا رفض العلماء مقولة من قال بسد باب الاجتهاد، ورأوها عمليه إِجهاض للفقه الإسلامي، وأَن الذمم مشغولة بتحقيقه، ولا تبرأ بسده على أَهله، بل قال الشوكاني - رحمه الله تعالى- كلمته المشهورة: " سَدُّ باب الاجتهاد دعوة إلى نسخ الشريعة " نعم: سد الباب على غير المتأهل، دفعاً لفساد الفتيا بغير علم، والقول على الله بلا علم أساس كُلِّ بَلِيّهٍ في الدِّين؛ ولذا صار حفظ الدين رأس مقاصد الإسلام الخمسة: حفظ الدين، فالنفس، فالعقل، فالعرض، فالمال

الصفحة 79