كتاب المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب (اسم الجزء: 1)

والمتعين على أهل العلم والإيمان أَن يقولوا من حيث يعلمون وأَن يكفوا عما لا يعلمون، وأن يسيروا في الأُمة سيرة سلفهم الصالح في رعاياهم، وَمَنْ لم تنبسط حاله في الفقه فإنه يقف عند حده ولا يتجاوز طوره. والمتأهل ينزل في الساحة ولا يتخلى عنها لمتعالم يُفسِد على الناس دينهم ودنياهم؛ ولذا تَخَلَّصوا وخلَّصوا الأمة من أَسْر الضغط بالتقليد في جميع صوره وأَشكاله، وسلكوا بها طريقاَ بين ذلك قواماَ " فيبذل الفقيه المتأهل الوسع في الطلب، بحيث يحس من نفسه العجز عن زيد الطلب لاستخراج الأَحكام العملية من أَدلتها التفصيلية " وهذه حقيقة الاجتهاد وكلمة " الاستخراج " هنا أَولى على سبيل التنظير أو الاجتهاد في تطبيق النص على الواقعة، وبذله هذا لا يخلو أَن يكون واجباً عينياً إن وقعت له الحادثة أو سئل عنها وخاف فَوْتَهَا، أو وجوبا كفائيا إِن لم يخف فَوْتَها، أو سبيله الندب فيما عدا ذلك.
وهذا الذي له حق بذل الوسع هو من يملك أَسبابه من فقيه النفس المتبحِّر في الكتاب والسنة والأحكام الشرعية المشتركة بينهما، راسخا في أصول الفقه بالبيّنة لا بالتبعية المذهبيّة، بصيراً بمواطن الإجماع والخلاف الفقهي ومداركه، قائلاً بالقياس عالماً به، عارفاً بوجوه دلالة اللفظ المختلفة، وعلوم الآلة، صدراً في اللغة العربية وبالجملة: تمكِّنه هذه الأسباب من إناطة الأحكَام بمداركها الشرعيّة، قد أنس من نفسه ذلك، وكثيراَ ما تنتشر في الناس أهليّته، فمتى كان

الصفحة 81