التعريف الثالث: لابن السبكي: قال - رحمه الله -: "حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه"، وفسر المحلى1 حمل المعلوم على المعلوم بإلحاقه في حكمه2.
وبين العطار في حاشيته المراد بالحمل بما نصه: "والمراد بحمل المعلوم على المعلوم إثبات حكمه له، والمراد بالإثبات القدر المشترك بين العلم والظن، أي أعم من أن يكون إثباتاً قطعياً، أو ظنياً، فيشمل كلا قسمي القياس المقطوع والمظنون"3.
فعلى ما قال العطار، يكون هذا التعريف مساوياً لتعريف البيضاوي، السابق من غير فرق، إلا في اللفظ، فجميع ما قيل في تعريف البيضاوي يقال في هذا التعريف، والله تعالى أعلم.
الموازنة بين التعريفات المختارة المتقدمة:
يتضح من التعريفات المتقدمة أن الأصوليين سلكوا في تعريف القياس طريقتين:
الأولى: سلك أهلها في التعريف ما ينبئ بأنه فعل مجتهد، فعبروا عنه بالإثبات، والإلحاق وما في معناهما استناداً إلى المساواة في علة الحكم؛ لأن المجتهد له نظره وفكره واستنباطه، وإن كان لا يعطي شيئاً حكم شيء إلا إذا كان بينهما مساواة في نفس الأمر في نظره.
الثانية: اعتبر أهلها القياس دليلاً نصبه الشارع دليلاً على الحكم الشرعي،
__________
1 هو: جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى، الشافعي، الفقيه، الأصولي، المفسر، قال عنه بعض أهل عصره: إن ذهنه يثقب الناس، له مؤلفات في الفقه، والتفسير والأصول، منها في أصول الفقه شرحه لجمع الجوامع، وشرح الورقات لإمام الحرمين، ولد سنة 791هـ، وتوفي سنة 864هـ.
انظر: الفتح المبين 3/40.
2 انظر: جمع الجوامع، والمحلى مع حاشية العطار 2/240.
3 انظر: حاشية العطار على المحلى 2/240.