كتاب الوصف المناسب لشرع الحكم
الفصل العاشر: هل تنخرم مناسبة الوصف لوجود مفسدة مساوية لها أو راجحة أم لا تنخرم
...
فصل هل تنخرم مناسبة الوصف لوجود مفسدة مساوية لها أو راجحة أم لا تنخرم؟
إذا كان الوصف مشتملاً على مصلحة تقتضي مشروعية الحكم، وتجعله مناسباً، وعلى مفسدة راجحة أو مساوية لتلك المصلحة تجعله غير مناسب لمشروعية الحكم، فهل يكون اشتماله على هذه المفسدة موجباً لبطلان مناسبته أم لا؟
"وذلك كما إذا سلك مسافر الطريق البعيد لا لغرض غير القصر، فإنه لا يقصر على الأظهر، لأن المناسب وهو السفر البعيد عورض بمفسدة هي العدول عن القريب، لا لغرض غير القصر حتى كأنه حصر قصده في ترك الركعتين من الرباعية.
والحاصل أن المشقة في السفر المناسب للقصر تترتب عليها مصلحة التخفيف بالقصر، فإذا عدل عن طريق قصير إلى الطويل كان ذلك مفسدة، لدخوله على إسقاط شطر الصلاة بدون عذر، فقد عارضت هذه المفسدة مصلحة القصر"1، لذا اختلف العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: تبطل مناسبته، ويصير الوصف غير مناسب للحكم في محل وجود المفسدة، واختار هذا المذهب ابن الحاجب، وابن السبكي، واستدلا على ذلك بأن العقل قاض بأنه لا مصلحة مع مفسدة راجحة أو مساوية لها، لأن العقلاء يعدون فعل ما فيه مفسدة راجحة على مصلحة أو مساوية لها خروجاً عن تصرفات العقلاء، فمن قال لعاقل: بع هذا بربح قدر ما تخسر، أو أقل منه، لم يفعل، ولو فعل لعد خارجاً عن تصرفات العقلاء، وعلل بأنه لا ربح حينئذ2.
واعترض على هذا الدليل بأن القائلين به "إن أرادوا بنفي المصلحة عدم
__________
1 انظر: حاشية العطار على المحلى 2/331.
2 انظر: المختصر مع شرحه 2/241، وجمع الجوامع مع شرحه وحاشية العطار 2/331.
الصفحة 361
400