كتاب الوصف المناسب لشرع الحكم

ودلالة نصوص الكتاب والسنة على تعليل الأحكام أكثر من أن تحصى، والمتتبع لنصوص الشريعة يدرك أنها إنما وضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً.
"ولما كانت النصوص الشرعية متناهية، وتفاصيل الوقائع والحوادث متجددة على الدوام لا تقف عند حد، جعل "الشارع" شرعه قواعد عامة، إما باعتبار ألفاظها، أو باعتبار عللها، وجعل في الأمة علماء يستخرجون حكم الله في كل واقعة "حدثت"، مثل أحكام الوقائع المنصوصة في تحصيل المصالح"1، ويدل لهذا ما قرره الشاطبي2، ونصه:
"والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها إنما وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره، فإن الله تعالى يقول في بعثته الرسل، وهو الأصل {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 3، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} 4.
وقال في أصل الخلقة: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 5، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 6، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 7.
__________
1 انظر: سلم الوصول على نهاية السول 4/57.
2 هو: إبراهيم بن موسى، الغرناطي، المكنى بأبي إسحاق، المشهور بالشاطبي، العلامة المحقق، المؤلف النظار الأصولي المفسر، الفقيه اللغوي المحدث، الورع الزاهد، له مؤلفات نفيسة اشتملت على تحريرات للقواعد، وتحقيقات لمهمات الفوائد منها: الموافقات في أصول الفقه، والاعتصام في الحوادث والبدع، وغيرهما، توفي في شعبان سنة 790هـ.
انظر: الفتح المبين 2/204 - 205.
3 سورة النساء آية: 165.
4 سورة الأنبياء آية: 107.
5 سورة هود آية: 7.
6 سورة الذاريات آية: 56.
7 سورة الملك آية: 2.

الصفحة 56