أدلة المذهب الأول:
استدل أهل المذهب الأول القائلون بجواز تعليل الحكم بالعلة القاصرة بما يأتي:
الأول: قالوا: إن الظن حاصل بأن الحكم لأجلها، لأنه المفروض، وهو معنى صحة التعليل بها، بدليل صحة العلة القاصرة المنصوصة اتفاقاً، والمجمع عليها أيضاً، وإن لم يفد كل منهما إلا الظن، ولو كان معنى التعليل القطع بأن الحكم لأجلها لم يصح التعليل بها1.
الثاني: "أنه لو كانت صحة العلية موقوفة على تعديتها، لم تكن تعديتها موقوفة على صحتها، لامتناع الدور، واللازم منتف، للاتفاق على توقف التعدية على ثبوت العلية الموقوف على صحتها"2.
وأجيب على الدور بأنه دور معي، لا دور تقدم3، لأن العلة لا تكون إلا متعدية، لا أن كونها متعدية ثبت أولاً، ثم تكون علة، والمتعدية لا تكون إلا علة، لا أنها تكون علة ثم تكون متعدية.
__________
1 انظر: العضد على المختصر 2/217.
2 انظر: العضد على المختصر 2/217.
3 الدور السبقي معناه أن تكون معرفة الحد يشترط لها معرفة بعض ألفاظ المحدود؛ لأن الغرض توقف معرفة المحدود على معرفة الحد، فإن توقفت معرفة الحد على معرفة المحدود كان دوراً سبقياً؛ لأن معرفة كل منهما تتوقف على سبق معرفة الآخر، فلا يمكن الإدراك، كتعريف العلم بأنه معرفة المعلوم على ما هو به، لأن المعلوم مشتق من العلم، والمشتق لا يعرف إلا بعد معرفة المشتق منه.
أما الدور المعي فلا محال فيه، ككون ما يسميه المناطقة الجرم متصفاً بما يسمونه العرض، إذ لا يعقل جرم خال عن جميع الأعراض كالحركة والسكون، والاجتماع والافتراق واللون ونحو ذلك، كما لا يعقل عندهم عرض قائم بنفسه دون جرم.
فمعرفة كل منهما تتوقف على معرفة الآخر، إلا أنه لا يشترط سبق أحدهما للآخر، بل يعلمان معاً في وقت واحد، وذلك هو معنى كونه دوراً معياً.
انظر: آداب البحث والمناظرة القسم الأول ص39.