كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة (اسم الجزء: 1)

بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} 1.
فقاموا بهذه الأمور امتثالا وطاعة لأمر الله تبارك وتعالى وأدوا ما فرض عليهم من الحقوق الأخرى التي يطول ذكرها والتي هي مذكورة في ثنايا هذا البحث. وهم مع قيامهم بهذه الأمور لم يتجاوزوا ما أمروا به فلم يغالوا ولم يبالغوا كما فعل أهل الإفراط الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأمور لا تنبغي لغير الله كعلم الغيب، وصرفوا له أمورا لا يجوز صرفها لغير الله كدعائه والسجود له والاستغاثة به والطواف بقبره.
بل هم مؤمنون بأن ما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من النبوة والرسالة والرفعة وعظم القدر وشرف المنزلة، كل ذلك لا يوجب خروجه عن بشريته وعبوديته لله قال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} 2.
واعتقدوا أنه ليس من المحبة في شيء الغلو في حقه وقدره ووصفه بأمور قد اختص الله بها وحده، بل علموا أن في هذا مخالفة ومضادة لتلك المحبة ومناقضة لما أمر به سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لأمته: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 3.
وقال تعالى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا
__________
1 الآيات (1، 2، 3) من سورة الحجرات.
2 الآية (93) من سورة الإسراء.
3 الآية (65) من سورة النمل.

الصفحة 296