كتاب مختصر كتاب الاعتصام (اسم الجزء: 1)
فَلَا فَائِدَةَ لِتَسْمِيَتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَا لِوَضْعِ ترجمةٍ لَهُ زَائِدَةٍ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَمَا ينشأُ عَنْهَا مِنَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ؛ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْلُ هُوَ المُستحسِن، فَإِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ، لِرُجُوعِهِ إِلَى الْأَدِلَّةِ لَا إِلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَذَلِكَ هُوَ الْبِدْعَةُ الَّتِي تُسْتَحْسَن.
وَيَشْهَدُ [لِذَلِكَ] قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الِاسْتِحْسَانِ: إنَّه [مَا] يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ، قَالُوا: وَهُوَ عِنْدُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا يُستحسن فِي الْعَوَائِدِ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ؛ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ مَا ينافي هذا الكلام.
وَرُبَّمَا يَنْقَدِحُ لِهَذَا الْمَعْنَى وجهٌ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي استدلَّ بِهَا أَهْلُ التَّأْوِيلِ الأوَّلون، وَقَدْ أَتَوْا بِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ:
(أَحَدُهَا) : قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ: {وَاتَّبِعُوا أحْسنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (¬1) ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ} (¬2) ، هو ما تستحسنه عقولُهم.
(الثاني) : قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ((مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ)) (¬3) ، وإنَّما يَعْنِي بِذَلِكَ مَا رَأَوْه بِعُقُولِهِمْ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ حُسْنُه بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُسْنِ مَا يَرَوْن، إذْ لَا مَجَالَ لِلْعُقُولِ فِي التَّشْرِيعِ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ فَائِدَةٌ، فدلَّ عَلَى أنَّ الْمُرَادَ مَا رَأَوْهُ برأيهم.
(الثالث) : أنَّ الْأُمَّةَ قَدِ اسْتَحْسَنَتْ دُخُولَ الحمَّام مِنْ غير تقدير أجرة ولا
¬_________
(¬1) الزمر: 55.
(¬2) الزمر: 18.
(¬3) [حسن] موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه، رواه أحمد والطيالسي وغيرهما، انظر ((السلسلة الضعيفة)) (533) . وفيها رد جيد على هذه الشبهة.
الصفحة 106
160