كتاب مختصر كتاب الاعتصام (اسم الجزء: 1)
والعِرض.
وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَدَيُّنًا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَدَيُّنًا فَالتَّارِكُ عَابِثٌ بِتَحْرِيمِهِ الْفِعْلَ أَوْ بِعَزِيمَتِهِ عَلَى التَّرْكِ. وَلَا يُسَمَّى هَذَا التَّرْكُ بِدْعَةً إِذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ لَفْظِ الْحَدِّ إِلَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّ الْبِدْعَةَ تَدْخُلُ فِي الْعَادَاتِ. وأمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الأُولى فلا يدخل. لَكِنَّ هَذَا التَّارِكَ يَصِيرُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ أَوْ بِاعْتِقَادِهِ التَّحْرِيمَ فِيمَا أحلَّ اللَّهُ.
وأمَّا إِنْ كَانَ التَّرْكُ تَدَيُّنًا فَهُوَ الِابْتِدَاعُ فِي الدِّينِ عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، إِذْ قَدْ فَرَضْنَا الْفِعْلَ جَائِزًا شَرْعًا فَصَارَ التَّرْكُ الْمَقْصُودُ مُعَارَضَةً لِلشَّارِعِ.
لأنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ همَّ أَنْ يُحرِّم عَلَى نَفْسِهِ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، وَآخَرَ الْأَكْلَ بِالنَّهَارِ، وَآخَرَ إِتْيَانَ النِّسَاءِ، وَبَعْضُهُمْ هَمَّ بِالِاخْتِصَاءِ، مُبَالَغَةً فِي تَرْكِ شأْن النِّسَاءِ. وَفِي أَمْثَالِ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) (¬1) .
فَإِذَا كلُّ مَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ تَنَاوُلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ خارجٌ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْعَامِلُ بِغَيْرِ السُّنَّةِ تَدَيُّنًا، هُوَ الْمُبْتَدِعُ بِعَيْنِهِ.
(فَإِنْ قِيلَ) فَتَارِكُ الْمَطْلُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ نَدْباً أَوْ وُجُوبًا، هَلْ يُسَمَّى مُبْتَدِعًا أَمْ لَا؟
(فَالْجَوَابُ) أنَّ التارك للمطلوبات على ضربين:
¬_________
(¬1) رواه البخاري (5063) ومسلم (1401) ، وهو جزء من حديث رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ في خبر النفر الثلاثة؛ الذين سألوا عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الصفحة 12