كتاب مختصر كتاب الاعتصام (اسم الجزء: 1)

مُوَدِّعٍ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: ((تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، وَلَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلفاء الراشدين من بعدي)) الحديث (¬1) .
فَالْمُبْتَدِعُ إنَّما مَحْصُولُ قَوْلِهِ بِلِسَانِ حَالِهِ أَوْ مَقَالِهِ:
إنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَتِمَّ، وأنَّه بَقِيَ مِنْهَا أشياءُ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ اسْتِدْرَاكُهَا، لأنَّه لَوْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِكَمَالِهَا وَتَمَامِهَا مِنْ كلِّ وَجْهٍ، لَمْ يَبْتَدِعْ وَلَا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهَا. وَقَائِلُ هَذَا ضَالٌّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنِ ابْتَدَعَ فِي الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَانَ الرِّسَالَةَ، لأنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أكملتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَمَا لَمْ يَكُنْ يومئذٍ دِينًا، فلا يكون اليوم ديناً.
(الثالث) أنَّ الْمُبْتَدِعَ معاندٌ لِلشَّرْعِ ومشاقٌّ لَهُ، لأنَّ الشَّارِعَ قَدْ عَيَّنَ لِمَطَالِبِ الْعَبْدِ طُرُقًا خَاصَّةً عَلَى وُجُوهٍ خَاصَّةٍ، وقَصَرَ الخَلْقَ عَلَيْهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَأَخْبَرَ أنَّ الْخَيْرَ فِيهَا، وأنَّ الشَّرَّ فِي تعدِّيها ـ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لأنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، وأنَّه إنَّما أَرْسَلَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَالْمُبْتَدِعُ رادٌ لِهَذَا كُلِّهِ، فإنَّه يَزْعُمُ أنَّ ثمَّ طُرُقاً أُخر، لَيْسَ مَا حَصَرَهُ الشَّارِعُ بِمَحْصُورٍ، وَلَا مَا عيَّنَه بمتعيِّن، كأنَّ الشَّارِعَ يَعْلَمُ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَعْلَمُ. بَلْ رُبَّمَا يُفهم مِنِ اسْتِدْرَاكِهِ الطُّرُقَ عَلَى الشَّارِعِ، أنَّه علم ما لم يعلمه
¬_________
(¬1) [صحيح] رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (42،43،44) وغيرهم مع اختلاف يسير في اللفظ.

الصفحة 17