كتاب مختصر كتاب الاعتصام (اسم الجزء: 1)

- فأمَّا أنَّ الْبِدْعَةَ لَا يُقْبَلُ مَعَهَا عَمَلٌ:
فكبدعة الْقَدَرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر ـ رضي الله عنه ـ: إِذَا لَقِيتَ أُولئك فَأَخْبِرْهُمْ أنِّي بريءٌ مِنْهُمْ، وأنَّهم بُرَءَاءُ مِنِّي، فَوَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا تَقَبَّله اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بالقدر (¬1) .
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ الْخَوَارِجِ وَقَوْلُهُ فِيهِ: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ - بَعْدَ قَوْلِهِ - تَحقرون صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ. الْحَدِيثَ (¬2) .
وَإِذَا ثَبَتَ في بعضهم هذا لأجل بدعته فكل مبتدع يُخاف عليه مثل من ذُكِر، فإنَّ كون الْمُبْتَدِعُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَمَلٌ، إِمَّا أَنْ يُرَادَ أنَّه لَا يُقبل لَهُ بِإِطْلَاقٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ، مِنْ وِفاق سُّنَّةٍ أَوْ خلافِها، وَإِمَّا أَنْ [يُرَادَ] أنَّه لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا ابْتَدَعَ فِيهِ خَاصَّةً دُونَ مَا لَمْ يَبْتَدِعْ فِيهِ.
فأمَّا الأوَّل: فَيُمْكِنُ عَلَى أحد أوجهٍ ثلاثة:
1- أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أنَّ كلَّ مُبْتَدِعٍ أَيَّ بِدْعَةٍ كَانَتْ؛ فَأَعْمَالُهُ لَا تُقْبَلُ معها - داخلتها تلك البدعة أم لا-.
2- أَنْ تَكُونَ بِدْعَتُهُ أَصْلًا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَعْمَالِ، كَمَا إِذَا ذَهَبَ إِلَى إِنْكَارِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِإِطْلَاقٍ، فإنَّ عَامَّةَ التَّكْلِيفِ مبنيٌ عَلَيْهِ، لأنَّ الْأَمْرَ إنَّما يَرِد عَلَى المُكلَّف مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ. وما تَفَرَّع
¬_________
(¬1) رواه مسلم (8) .
(¬2) رواه البخاري (5058، 6931 ــ 6934) ، ومسلم (1064) .

الصفحة 29