كتاب مختصر كتاب الاعتصام (اسم الجزء: 1)
إلا إنْ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى جِهَةِ التَّعَبُّدِ فَبِدْعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ فِعْلٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَالْعِبَادَةُ سَالِمَةٌ وَالْعَمَلُ الْعَادِيُّ خَارِجٌ مِنْ كلِّ وَجْهٍ، مِثَالُهُ الرَّجُلُ يُرِيدُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَيَتَنَحْنَحُ مَثَلًا أَوْ يَتَمَخَّطُ، أَوْ يَمْشِي خُطُوَاتٍ أَوْ يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَقْصِدُ بِذَا وَجْهًا رَاجِعًا إِلَى الصَّلَاةِ، وإنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ عَادَةً أَوْ تَقَزُّزًا، فَمِثْلُ هَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ من جملة العادات الجائزة.
(الثَّانِي) : وَهُوَ أنْ يَصِيرَ الْعَمَلُ الْعَادِيُّ أَوْ غَيْرُهُ كَالْوَصْفِ لِلْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ إِلَّا أنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أنَّ الْعَمَلَ الْمَشْرُوعَ لَمْ يَتَّصِفْ فِي الشَّرْعِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَظَاهِرُ الْأَمْرِ انْقِلَابُ الْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عمومُ قوله عليه الصلاة والسلام: ((كلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) (¬1) وَهَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ اتِّصَافِهِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَهُوَ إِذًا ردٌّ، كَصَلَاةِ الْفَرْضِ مَثَلًا إِذَا صَلَّاهَا الْقَادِرُ الصَّحِيحُ قَاعِدًا أَوْ سبَّح فِي مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَرَأَ فِي مَوْضِعِ التَّسْبِيحِ، وَمَا أشبه ذلك.
(الثَّالِثُ) : وَهُوَ أنْ يَصِيرَ الْوَصْفُ عُرْضَةً لأنْ يَنْضَمَّ إِلَى الْعِبَادَةِ حَتَّى يُعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِهَا أَوْ جزءٌ مِنْهَا، فَهَذَا الْقِسْمُ يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ عَنِ الذَّرَائِعِ. فمن ذلك ما جاء في الحديث مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يُتَقَدَّمَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِصِيَامِ يَوْمٍ أو يومين (¬2) . ووجه ذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَخَافَةَ أنْ يُعد ذَلِكَ من جملة رمضان. فَكُلُّ عَمَلٍ أَصْلُهُ ثَابِتٌ شَرْعًا إِلَّا أنَّ فِي إِظْهَارِ الْعَمَلِ بِهِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ مَا يُخَافُ أنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَتَرْكُهُ مَطْلُوبٌ، من باب سد
¬_________
(¬1) [صحيح] تقدم تخريجه ص22.
(¬2) رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأوَّله: ((لا يَتَقدَّمَنَّ أحدُكم رمضان000)) أو ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين000)) .
الصفحة 79