كتاب مختصر كتاب الاعتصام (اسم الجزء: 1)
فَعَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِهَا أَصْلًا شَرْعِيًّا لَا إِشْكَالَ فِي أنَّ كلَّ عِلْمٍ خَادِمٍ لِلشَّرِيعَةِ داخلٌ تحت أدلته التي ليست بمأْخوذة من جزئي وَاحِدٍ؛ فَلَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ البتَّة.
وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُلُومُ مُبْتَدَعَاتٍ، وَإِذَا دَخَلَتْ فِي عِلْمِ الْبِدَعِ كَانَتْ قَبِيحَةً، لأنَّ كلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَتْبُ الْمُصْحَفِ وجَمْعُ الْقُرْآنِ قَبِيحًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ إِذًا ببدعة.
ويلزم أن يكون دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَلَيْسَ إِلَّا هَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ.
وَإِذَا ثَبَتَ جزئيٌ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، ثَبَتَ مُطْلَقُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى عِلْمُ النَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ أَوْ عِلْمُ الْأُصُولِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ، بِدْعَةً أَصْلًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِّ ((تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ)) يَعْنِي: أنَّها تُشَابِهُ الطَّرِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مُضَادَّةٌ لَهَا مِنْ أَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ:
مِنْهَا: وَضَعُ الْحُدُودِ كَالنَّاذِرِ لِلصِّيَامِ قَائِمًا لَا يَقْعُدُ، ضَاحِيًا لَا يَسْتَظِلُّ، وَالِاخْتِصَاصُ فِي الِانْقِطَاعِ لِلْعِبَادَةِ، وَالِاقْتِصَارُ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَلْبَسِ عَلَى صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِ علة.
الصفحة 9