كتاب دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية

يمكن للروحانيين بالروح القدس أن يعرفوا حتى أعماق الله"1.
لقد قطع النصارى على أنفسهم نعمة النظر واستخدام العقل الذي وهبهم الله إياه وتحكموا في أتباعهم بإجبارهم على إلغاء عقولهم فيما يملون عليهم من ترهات وسخافات وذلك بقولهم بزعمهم " إنها سر لا يدرك" ولا يفهم ولا يعرف. والأمر إذا خلا من الدليل الشرعي والدليل العقلي لا يكون إلا من إملاء الشياطين وأتباعهم.
ثم إن النصارى يخدعون الناس بما يزعمون من أن الأمر يدرك بالروح القدس. فإن هذا من الكلام الفارغ الذي لا معنى تحته، لأن معنى قولهم هذا أن قبول شخص من الأشخاص لهذه العقيدة إنما يتم بالروح القدس فإذا لم يقبلها عقله ولا قلبه بناءاً على خلوها من الدليل الشرعي والعقلي. قالوا له إن الروح القدس لم يهبك الإيمان بها.
وهذا كلام فارغ، إذ من المعلوم أن جميع الوثنيين يؤمنون بترهاتهم وشركهم، وإيمانهم بها لم يقم على دليل شرعي ولا عقلي وهذا وجه بطلان عقائدهم. إذاً فقبولهم لها تم عن طريق التسليم لعلمائهم ودعاتهم بدون دليل أو وعي صحيح، فمن هنا يشبه النصارى الوثنيين من ناحية دعواهم بوجوب التسليم لمقولتهم بدون استناد على الشرع أو استخدام للعقل في القضية.
أما الروح القدس فأقحم هنا إقحاماً، وإلا فما الذي يثبت أن الروح القدس هو الذي جعل أحدهم يؤمن بما يقال له وليس شيطاناً من الشياطين؟ كيف يفرق الإنسان بين الإثنين؟ ليس هناك وسيلة للتفريق إلا بالدليل الشرعي والعقلي
__________
1 تأملات في سر التجسد ص7.

الصفحة 301