كتاب دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية

معاً. وقد استطاع النصارى بخبث شديد أن يعطلوهما ويلغوهما لما زعموا أن الأمر سر من الأسرار الكنسية التي يجب الإيمان به إيماناً مجرداً عن الفهم.
وهم إذا عجزوا عن فهم قضية وإقامة الدليل عليها زعموا أنها سر. ولازم ذلك: أن كبارهم وعلماءهم إما أن يعلموا ذلك السر أولا يعلمونه.
والحقيقة أنهم لا يعلمونه ولا يدرون له وجهاً، وأن علم الطالب المبتدئ منهم مثل علم أكبر القسس فيهم في مثل هذه القضايا، وإذا كان أمر لا يعرفه الكبير ولا الصغير فكيف يقبلونه؟! فلا بالشرع استناروا ولا بالعقل استرشدوا، ودعوى أن الروح القدس يعلمهم، دعوى فارغة لا حقيقة لها، وإلا وجب أن يوحى إليهم بالسر، وهم يعلمون الناس، حتى تكون للناس قناعة، وهم أنفسهم يجدوا القناعة بما يقولون ويعتقدون.
ثم ما هذه الدعوى العريضة التي زعموا، وهي أن الروحانيين يعرفون أعماق الله، ماذا يعرفون عن أعماق الله1؟
انظر كيف فتحوا الباب للافتراء على الله والكذب عليه جل وعلا بما لا يستطيعون أن يأتوا منه بشيء، والله عز وجل يقول: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ
__________
1 هذه الدعوى في الأصل من كلام بولس حيث يقول في رسالته الأولى إلى كورنثوس (2/10) "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" هكذا زعم هنا ويُقْصَد بالروح - الروح القدس وهو إله عندهم كما سبق، وصاحب كتاب تأملات من سر التجسد، زعم استطراداً أن الناس الذين يعطيهم الروح القدس من علمه يعرفون أعماق الله - وهو كلام فارغ ويرده أيضاً كلام بولس في رسالته إلى روميه (11/33) "يالعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. لأن من عرف فكر الرب؟ أو من صار له مشيراً؟ ".

الصفحة 302