كتاب مقالة التعطيل والجعد بن درهم

السيف فلم يبق منهم إلا من أعجزه قصداً لإبطال الدعوة الإسلامية.
واستبقى الفلاسفة، والمنجمين، والطبائعيين، والسحرة، والملاحدة والمنطقيين. ونقل أوقاف مساجد ومدارس المسلمين وأربطتهم لهؤلاء النجسة. وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم، وبطلان المعاد وأنكر صفات الرب جل جلاله، من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره، وزعم أنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد البتة.
واتخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر وقال هذه عقليات قطعية برهانية قد عارضت تلك النقليات الخطابية، وقال: هذا قرآن الخواص وذلك قرآن العوام، ورام إبطال الأذان، وتحويل الصلاة إلى القطب الشمالي، وتغيير الصلاة وجعلها صلاتين، فلم يتم له الأمر، وتعلم السحر في آخر الأمر فكان ساحراً يعبد الأصنام.1
وفي ذلك العصر قام سوق الفلسفة والمنطق وعلوم أعداء الرسل وفقه الشياطين، وصارت الدولة والدعوة لأرباب هذه العلوم، وخرجت آراء وأفكار لم تكن تعرف من قبل مثل جست2 العميدي3 وحقائق ابن عربي.4
__________
1- الصواعق المرسلة 3/1075،1078، إغاثة اللهفان 2/267،269.
2- جَسْت: كلمة فارسية معناها البحث، وقد أصبحت تطلق على نوع من فروع الخلاف، وقد تضم الجيم. (انظر وفيات الأعيان وحاشيته 4/257)
3- العميدي: هو محمد بن محمد بن محمد العميدي السمرقندي، أبو حامد، كان إماماً في فن الخلاف والجدل وخصوصاً «الجست» وهو أول من أفرده بالتصنيف، توفي ببخارى سنة 615هـ.
4- هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الاندلسي، أبوبكر، المعروف بابن عربي، ولد سنة 560هـ، وتوفي سنة 638هـ، صنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهل وحدة الوجود، فقال أشياء منكرة، عدها طائفة من العلماء مروقاً وزندقة، (ميزان الاعتدال 3/659،660)
وقال ابن تيمية: (إن مقالة ابن عربي في فصوص الحكم مع كونها كفراً، إلا أنه أقرب أهل الوحدة إلى الإسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيراً، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذي يتخيل فيه الحق تارة والباطل آخرى) (انظر مجموعة الرسائل والمسائل 4/6)

الصفحة 119