كتاب حديث علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر
نَّاصِبَةٌ * تصلى نَاراً حَامِيَةً * تسقى مِنْ عَيْنٍ آنية} وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي، وأمآ إن كان العمل موافقاً للشريعة في الصورة الظاهرة ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضاً مردود على فاعله وهذا حال المرائين والمنافقين، كما قال تعالى: {إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلَا يَذْكُرُونَ الله إِلَاّ قليلاً} ، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الذين هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ الماعون} ، ولهذا قال تعالى: {فمن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} وقال في هذه الآية الكريمة: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وهو محسن} ، وقوله: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور وآمنهم مما يخافونه من المحذور {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلونه، {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما مضى مما يتركونه.
وقوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} بيَّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم، كما قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حرملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود: ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله في ذلك من قولهما: {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَيْءٍ وهم يتلون الكتاب} قال: إن كلاً يتلو في كتابه تصديق من كفر به، أن يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى وما جاء من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يد صاحبه. وهذا القول يقتضي أن كلاً من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأُخرى، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالى: {وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً ومقابلة للفاسد بالفاسد وقوله: {كَذَلِكَ قَالَ الذين لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} بيَّن بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا به من القول وهذا من باب الإيماء والإشارة، وقد اختلف فيمن عنى بقوله تعالى: {الذين لَا يَعْلَمُونَ} قال ابن جريج: قلت لعطاء: مَن هؤلاء الذين لَا يَعْلَمُونَ؟ قال: أُمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل، وقال السُّدي: {كَذَلِكَ قال الذين لَا يَعْلَمُونَ} هم العرب قالوا ليس محمد على شيء، واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع وليس ثَمَّ دليل قاطع يعين واحداً من هذه الأقوال والحمل على الجميع أولى، والله أعلم.
وقوله تعالى: {فالله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فيما كانوا فيه يَخْتَلِفُونَ} أي أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذن هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركون إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ، وكما قال تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق وَهُوَ الفتاح العليم} .
الصفحة 108
610