كتاب أحكام أهل الذمة (اسم الجزء: 1)

الْمَسْكَنَةِ لَا بِوَصْفِ الْكُفْرِ، فَوَصْفُ الْكُفْرِ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنَ الدَّفْعِ إِلَيْهِمْ، وَلَا هُوَ شَرْطٌ فِي الدَّفْعِ كَمَا يَظُنُّهُ الْغَالِطُ أَقْبَحَ الْغَلَطِ وَأَفْحَشَهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ بِمَسْكَنَتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ جِهَةً وَمُوجِبًا، وَبَيْنَ أَلَّا يَكُونَ مَانِعًا، فَجَعْلُ الْكُفْرِ جِهَةً مُوجِبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ مُضَادٌّ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَانِعٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8 - 9] .
فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا نَهَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عَنِ اتِّخَاذِ الْمُسْلِمِينَ الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَقَطْعِ الْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ بِرَّهُمْ وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَالْمَوَدَّةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُوَالَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَكَتَبَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَوَلِّي الْكُفَّارِ وَالْإِلْقَاءُ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ جَعْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ مُوجِبًا وَشَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَعْظَمِ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَنْفِيذُهُ مِنْ أَوْقَافِ الْكُفَّارِ، فَأَمَّا إِذَا وَقَفُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْنَا وَلَا اسْتَفْتَوْنَا عَنْ حُكْمِهِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِيهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ عُقُودِهِمْ وَأَنْكِحَتِهِمُ الْفَاسِدَةِ.
وَكَذَلِكَ وَقْفُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ مَا وَافَقَ حُكْمَ اللَّهِ

الصفحة 602