كتاب حجة الوداع لابن حزم

التَّرْوِيَةِ مَعَ النَّاسِ إِلَى مِنًى، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنَ الْأَبْطَحِ كُلُّ مَنْ كَانَ أَحَلَّ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَأَحْرَمُوا فِي نُهُوضِهِمْ إِلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى الظُّهْرَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ الْمَذْكُورِ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، وَبَاتَ بِهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَصَلَّى بِهَا الصُّبْحَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَهَضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ إِلَى عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ تُضْرَبَ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ شَعْرِ بِنَمِرَةَ، فَأَتَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرَفَةَ، وَنَزَلَ فِي قُبَّتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِنَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ، فَرُحِّلَتْ لَهُ، ثُمَّ أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَى رَاحِلَتِهِ خُطْبَةً ذَكَرَ فِيهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْرِيمَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَوَضَعَ فِيهَا أُمُورَ الْجَاهِلِيَّةِ وَدِمَاءَهَا، وَأَوَّلُ مَا وَضَعَ دَمَ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ مِنْ هَوَازِنَ، فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ، وَذَكَرَ النَّسَّابُونَ أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا يَحْبُو أَمَامَ الْبُيُوتِ، وَكَانَ اسْمُهُ آدَمَ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ غَائِرٌ أَوْ سَهْمٌ غَرْبٌ، مِنْ يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ فَمَاتَ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى وَصْفِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَضَعَ أَيْضًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِعَرَفَةَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَوَّلُ رِبًا وَضَعَهُ رِبَا عَمِّهِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَوْصَى بِالنِّسَاءِ خَيْرًا وَأَبَاحَهُمْ ضَرْبَهُنَّ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، إِنْ عَصَيْنَ بِمَا لَا يَحِلُّ وَقَضَى لَهُنَّ بِالرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَأَمَرَ بِالِاعْتِصَامِ بَعْدَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَنْ

الصفحة 119