كتاب تيسير علم أصول الفقه

وجميعُ الأحكامِ المُستخلِصةِ منها مُحكمَةٌ، وما وقعَ بعدَ الحجَّةِ أيضًا ممَّا عارضَ ما قبلَهَا قرينَةٌ على إبطالِ الحُكمِ السَّابقِ، وذلكَ نسخٌ.
ويُمكنُ أن يُكرَ لكُلِّ من هاتينِ الصُّورتينِ مثالٌ:
[1] صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّهيُ عن الشُّربِ قائمًا من وُجوهٍِ، منهَا: حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ وأنسِ بن مالكٍ رضي الله عنهُمَا: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَجرَ عن الشُّربِ قائمًا [أخرجه مسلمٌ] ، فهذا جاء الفعلُ النَّبويُّ علىخلافِه في حجَّةِ الوداعِ، فعنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهُمَا قالَ: سقيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زمْزَمَ، فشربَ وهوَ قائمٌ [متفقٌ عليه] .
[2] وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنهُ: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سقطَ عن فرسِه فجُحِشَتْ ساقُهُ أو كتِفهُ، وآلى من نسائِه شهرًا، فجلسَ في مشرُبةٍ لهُ درجتُها من جُذُوعٍِ، فأتاهُ أصحابُه يعودُونهُ، فصلَّى بهِمْ جالسًا وهُم قيامٌ، فلمَّا سلَّ قال: ((إنَّما جُعلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ بهِ، فإذا كبَّرَ فكبِّرُوا، وإذا ركعَ فاركعُوا، وإذا سَجَدَ فاسْجُدُوا، وإن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا)) الحديث [متفقٌ عليه] ، قالَ الحُميدِيُّ فيما نقلهُ عنهُ تلميذُهُ البُخاريُّ في ((صحيحهِ)) في هذا الحديثِ: ((هُوَ في مرضِهِ القديمِ، ثمَّ صلَّى بعدَ ذلكَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جالسًا والنَّاسُ خلفَهُ قيامًا لم يأمُرُهُم بالقُعودِ، وإنَّما يُؤخَذُ بالآخرِ فالآخرِ من فعلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)) .
عنَى صلاتَهُ - صلى الله عليه وسلم - بالنَّاسِ في مرضِه الَّذي مات فيهِ، والقصَّةُ في

الصفحة 367