كتاب نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد (اسم الجزء: 1)
ثُمَّ أَكَّدَ الْمُعَارِضُ دَعْوَاهُ فِي أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِقِيَاسٍ ضَلَّ بِهِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل.
فَقَالَ: أَلا ترى أَن مَنْ صَعَدَ الْجَبَلَ لَا يُقَالُ لَهُ:1 إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ؟
فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ الْمُدَّعِي مَا لَا عِلْمَ لَهُ2: مَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّ رَأْسَ الْجَبَلِ لَيْسَ بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى3 مِنْ أَسْفَلِهِ؟؛ لِأَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ رَأْسَ الْجَبَلِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ4 مِنْ أَسْفَلِهِ، وَأَنَّ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ السَّادِسَةِ، وَالسَّادِسَةَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى الْأَرْضِ. كَذَلِكَ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ5، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ6 أَنَّهُ قَالَ: "رَأْسُ الْمَنَارَةِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَسْفَلِهِ7 وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إِلَى السَّمَاءِ أَقْرَبُ كَانَ إِلَى اللَّهِ أَقْرَبَ. وَقُرْبُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ أَقْصَاهُم وأدناهم وَاحِد لَا
__________
1 لَفْظَة "لَهُ" لَيست فِي ط، ش.
2 فِي ط، ش "مَا لَا علم لَهُ بِهِ" وَفِي س "مَا لَا علم بِهِ".
3 لَفْظَة "تَعَالَى" لَيست فِي ط، س، ش.
4 فِي ط، س، ش "أقرب إِلَى السَّمَاء".
5 قَالَ فِي التَّقْرِيب 1/ 54: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مخلد الْحَنْظَلِي، أَبُو مُحَمَّد بن رَاهَوَيْه الْمروزِي، ثِقَة حَافظ مُجْتَهد، قرين أَحْمد بن حَنْبَل، ذكر أَبُو دَاوُد أَنه تغير قبل مَوته بِيَسِير، مَاتَ سنة 38 وَله 72 سنة/ خَ م د ت س.
6 عبد الله بن الْمُبَارك، تقدم ص"143".
7 فِي ط، س، ش "من أَسْفَلهَا" وَبِه يَسْتَقِيم الْمَعْنى قلت: وَمعنى الْعبارَة صَحِيح إِلَّا أَنِّي لم أَقف على من نَسَبهَا إِلَى عبد الله بن الْمُبَارك أَو إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه.
الصفحة 504