كتاب نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد (اسم الجزء: 1)
مِنْ كَلَامِي عِبْرَانِيًّا1، لَمَّا أَنَّهُ أَرْسَلَ كُلَّ رَسُولٍ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، كَمَا قَالَ: فَجَعَلَ كَلَامَهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ لَهُ كَلَامًا لِكُلِّ قَوْمٍ بِلُغَاتِهِمْ فِي أَلْسِنَتِهِمْ2.
فَقَوْلُهُ: "جَعَلْنَاهُ" صَرَفْنَاهُ مِنْ لُغَةٍ إِلَى لُغَة أُخْرَى3 لَيْسَ أَنا
__________
1 فِي الأَصْل "غبرانيًّا" بالغين الْمُعْجَمَة، قلت: والعبارة من قَوْله فِي السطر الَّذِي قلبه "فَقَالَ: "جعلت هَذَا الْقُرْآن من كَلَامي" إِلَى قَوْله: "من كلامى عبرانيًّا" الأولى إِسْقَاطه؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَلَام الله. بل كَلَام الله كَمَا قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الزخرف آيَة 3] ، وَقَوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} . [إِبْرَاهِيم آيَة 4] .
2 كَلَام الله عِنْد أهل الْحق من صِفَاته الذاتية؛ لاتصافه بِهِ أزلًا وأبدًا، وَمن صِفَاته الفعلية الواقعية بمشيئته وَقدرته فَهُوَ قديم النَّوْع حَادث الْآحَاد.
3 قَالَ ابْن كثير فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ} : أَي، أَنزَلْنَاهُ، انْظُر "تَفْسِير ابْن كثير طبعة الْحلَبِي 4/ 122.
قلت: وَلَيْسَ معنى: {جَعَلْنَاهُ} صرفناه، بل هُوَ كَمَا قَالَ ابْن كثير: "أَنزَلْنَاهُ"، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى سُورَة يُوسُف: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يُوسُف: 2] ، وَكَلَام الله يُفَسر بعضه بَعْضًا. وَالْقَوْل بِأَن معنى قَائِم بِالنَّفسِ وَهُوَ إِلَى لُغَة يُوَافق مَذْهَب الأشاعرة الْقَائِلين بِأَن الْكَلَام معنى قَائِم بِالنَّفسِ وَهُوَ وَاحِد بِالْعينِ وَالِاخْتِلَاف فِي الدلالات لَا الْمَدْلُول فَإِن عبر عَنهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ الْقُرْآن أَو بالعبرانية فَهُوَ التوارة أَو بالسُّرْيَانيَّة فَهُوَ الْإِنْجِيل. وَالْحق أَن كَلَام الله أَلْفَاظ وَمَعَان، كَمَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: "وَالْقُرْآن كَلَام الله حُرُوفه ومعانيه، لَيْسَ كَلَام الله الْحُرُوف دون الْمعَانِي وَلَا الْمعَانِي دون الْحُرُوف" وَانْظُر بسط القَوْل، فِي مَبْحَث الْكَلَام فِي الْجُزْء الثَّانِي عشر من مَجْمُوع الْفَتَاوَى.
الصفحة 568