كتاب مباحث في علوم القرآن لمناع القطان

ولهذا شواهده، فقد قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} 1, لأن الحكمة إذا ثبتت في المحل دامت، وهي عظيمة الشأن، وقال: {آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} 2، وقال: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 3؛ لأن بعد الكوثر منازل أعلى، حيث يكون الانتقال إلى ما هو أعظم منه في الجنة، وقال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 4؛ لأن الجزية موقوفة على قبول منا، وهم لا يؤتونها إيتاء عن طيب قلب، وإنما عن كره، وقد عبر بالإيتاء في جانب المسلمين بالنسبة إلى الزكاة، وفي ذلك: إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون إعطاؤه للزكاة بقوة، لا يكون كإعطاء الجزية.
__________
1 البقرة: 269.
2 الحجر: 87.
3 الكوثر: 1.
4 التوبة: 29.
ألفاظ:
لفظ "فعل":
يجيء لفظ "فعل" كناية عن أفعال متعددة لا للدلالة على فعل واحد. فيفيد بهذا الاختصار، كقوله تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 1, فإنها تشمل كل منكر لا يتناهون عنه، وقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} 2, أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله.
وحيث أطلقت في كلام الله فهي محمولة على الوعيد الشديد كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} 3، وقوله: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} 4.
__________
1 المائدة: 79.
2 البقرة: 24.
3 الفيل: 1.
4 إبراهيم: 45.

الصفحة 213