كتاب نعمة الذريعة في نصرة الشريعة

ثمَّ قَالَ {إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين} أَي الاختبار الظَّاهِر يَعْنِي الإختبار فِي الْعلم هَل يعلم مَا تَقْتَضِيه الرُّؤْيَا أم لَا لِأَنَّهُ يعلم أَن موطن الخيال يطْلب التَّعْبِير فَغَفَلَ فَمَا وفى الموطن حَقه وَصدق الرُّؤْيَا لهَذَا السَّبَب
أَقُول انْظُر إِلَى هَذَا الإجتراء الْعَظِيم وإساءة الْأَدَب الْمشعر بتفضيل نَفسه على خَلِيل الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ أفضل الْأَنْبِيَاء بعد نَبينَا على الْجَمِيع وَعَلِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسبه إِلَى الْغَفْلَة وَعدم الشُّعُور وَالوهم فَنَقُول لَهُ كَأَنَّك أَيهَا الْمُسِيء الْأَدَب أعلم بِتَأْوِيل رُؤْيا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُ وَهَذِه هِيَ الوقاحة الَّتِي لَيْسَ بعْدهَا وقاحة وَمن الْمَعْلُوم أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي فَإِذا قَالَ الله لَهُ فِي الْمَنَام اذْبَحْ ابْنك كَانَ كَقَوْلِه ذَلِك وَحيا فِي الْيَقَظَة على أَنه يجوز أَن يكون رأى مَا تَعْبِيره ذَلِك وَلَا شكّ أَنه أعلم برؤياه مِنْك وَمن أمثالك وَمن أَيْن لَك أَنه رأى فِي الْمَنَام أَنه ذبح ابْنه حَتَّى تزْعم أَنه كَبْش ظهر فِي صُورَة ابْنه وَالْقُرْآن يكذبك بقوله {يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر}
وَلم يقل افْعَل مَا رَأَيْت أَنَّك تَفْعَلهُ وَالله تَعَالَى يجازيك على إساءة أدبك مَعَ أنبيائه وخلاصته وخاصة خَاصَّة عباده وإسنادك ذَلِك إِلَى إِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وترفعك بِقَوْلِك يحْتَاج إِلَى علم آخر يدْرك بِهِ مَا أَرَادَ الله تَعَالَى بِتِلْكَ الصُّورَة فكأنك تزْعم أَنَّك أدْركْت ذَلِك الْعلم

الصفحة 62