كتاب نعمة الذريعة في نصرة الشريعة

ثمَّ أنهى هذيانه إِلَى أَن قَالَ قَالَ تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب}
لتقلبه فِي أَنْوَاع الصُّور وَالصِّفَات وَلم يقل لمن كَانَ لَهُ عقل فَإِن الْعقل قيد فيحصر الْأَمر فِي نعت وَاحِد والحقيقة تأبى الْحصْر فِي نفس الْأَمر فَمَا هُوَ ذكرى لمن كَانَ لَهُ عقل وهم أَصْحَاب الإعتقادات الَّذين يكفر بَعضهم بَعْضًا ويلعن بَعضهم بَعْضًا وَمَا لَهُم من ناصرين
أَقُول أَخذ الْقلب وَالْعقل بِالْمَعْنَى المصدري من قلب يقلب وعقل يعقل أَي قيد وربط وَهَذَا خلاف المُرَاد من الْآيَة
فقد قلب معنى الْآيَة وربطه وَقَيده باعتقاده الْخَبيث وَإِنَّمَا المُرَاد فِيهَا بِالْقَلْبِ الْعقل من الْمحل وَإِرَادَة الْحَال فَإِن الْقلب وَهُوَ الْعُضْو الْمَعْرُوف مَحل العقد وَهُوَ النُّور الَّذِي خص الله تَعَالَى بِهِ نوع الْإِنْسَان وشرفه بِهِ وَجعله منَاط تَوْجِيه الْأَمر وَالنَّهْي والإبانة والعقوبة
وَبِه تقع الذكرى قَالَ تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لذكرى لأولي الْأَلْبَاب}
أَي أَصْحَاب الْعُقُول فَقلب هَذَا الزنديق معنى الْقلب وَمعنى الْعقل عَن مَا أَرَادَ الله تَعَالَى بهما وقلب مَحل الذكرى وَهُوَ الْعُقَلَاء إِلَى القلابين وقلب معنى آيَة اللَّعْن الْمَذْكُورَة فِي حق الْكفَّار الْمَقُول لَهُم {إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثانا مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعْضكُم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا ومأواكم النَّار وَمَا لكم من ناصرين}

الصفحة 96