كتاب الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا
149 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي قُرَّةُ النَّحَّاتُ قَالَ: قُلْتُ لِعَابِدٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ: أَوْصِنِي. قَالَ: «§عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ، وَالتَّصَبُّرِ، وَالِاصْطِبَارِ» . قَالَ: قُلْتُ: مَا الصَّبْرُ؟، وَمَا التَّصَبُّرُ؟، وَمَا الِاصْطِبَارُ؟ قَالَ: «أَمَّا الصَّبْرُ فَالتَّسْلِيمُ وَالرِّضَا بِنُزُولِ الْمَصَائِبِ وَالْبَلْوَى، وَتَوْطِينُ النُّفُوسِ عَلَيْهَا قَبْلَ حُلُولِهَا، وَأَمَّا التَّصَبُّرُ فَتَجَرُّعُ مَرَارَتِهَا عِنْدَ نُزُولِهَا، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ عَلَى هُدُوئِهَا وَسُكُونِهَا، وَأَمَّا الِاصْطِبَارُ فَاسْتِقْبَالُ مَا يَنْزِلُ مِنْهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلْوَى بِالطَّلَاقَةِ وَالْبِشْرِ، وَانْتِظَارُ مَا لَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا بِالِاعْتِبَارِ وَالْفِكْرِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ كَذَلِكَ كَانَ مُصْطَبِرًا، لَمْ يُبَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ» . وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْحِكْمَةِ: الصَّبْرُ عَلَى عَشَرَةِ وجُوهٍ: الصَّبْرُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَالصَّبْرُ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الشُّبُهَاتِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَوْجَاعِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى النَّاسِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَالصَّبْرُ عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّوَافِلِ، وَكُلُّ عَمَلٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَعْمَلُهُ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْكَ فَأَنْتَ فِيهِ صَابِرٌ، وَكُلُّ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الصَّبْرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْمَعُونَةِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعَبْدِهِ، كَفَاهُ مُؤْنَةَ الْمَشَقَّةِ وَأَذَاقَهُ حَلَاوَةَ الْمَعُونَةِ
150 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ عُقَلَاءِ الْهِنْدِ: «§لَا يَكُونُ الصَّبْرُ إِلَّا فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ مِنَ الذُّخْرِ، وَلَرُبَّ صَابِرٍ بَرَزَ بِهِ صَبْرُهُ أَمَامَ الْمُتَّقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالصَّبْرُ -[107]- فِي كُلِّ شَيْءٍ حَسَنٌ، وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ أَحْسَنُ»
الصفحة 106