أحدهما: يتَّقيها ويتجنَّبُهَا (أ) فذلك يستبرئ لدينه وعرضه، أي: يصونهما عن النقص والخلل، ووقوع الناس فيه، لاتهامهم إياه بمواقعة المحظورات، وقد جاء في الأثر "من وقف موقف تهمة فلا يلومنَّ من أساء به الظن" ولهذا لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين ومعه امرأته صفية قال لهما: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي" خشية أن يتهماه (¬1) فيأثما (¬2)، ولذلك قالا له: يا رسول الله من كنا نتهمه فلا نتهمك، فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا" (¬3) وكذلك لما رأى تمرة ملقاة قال: "لولا أني أخشى أنَّها من الصدقة لأكلتها" (¬4) وذلك من اتقاء الشبهة تورعا.
فإن قيل: لم لم يتورع عن لحم بريرة والشبهة قائمة به؟
قلنا: لا نسلم أن الشبهة قائمة به، وقد بين انتفاء الشبهة بقوله: "هو عليها صدقة، ولنا هدية" (¬5) ولئن سلمنا قيام الشبهة به لكنه عليه الصلاة والسلام
¬__________
(أ) في أ، م ويجانبها.
(¬1) في هامش أ "حاشية لو اتهماه بريبة كفرا كذا صرح به الأئمة".
(¬2) وقد استنبط الشافعي من الحديث معنى لطيفا، روى البيهقي في مناقب الشافعي 2/ 241 قال ابن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث؟ فقال الشافعي: إن كان القوم اتهموا النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا بتهمتهم إياه كفارا، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدَّبَ من بعده، فقال إذا كنتم هكذا، فافعلوا هكذا لكيلا يظن بكم السوء، فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحب.
(¬3) رواه البخاري 2/ 175 ومسلم 4/ 1712 من حديث صفية.
(¬4) رواه البخاري 2/ 725 ومسلم 2/ 752 من حديث أنس بن مالك.
(¬5) رواه البخاري 2/ 543 ومسلم 2/ 755 من حديث عائشة.