كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

وَقَوله: مهفهف الْقد بديع الحلا ... يُعْطي بجيد للرشا الخاذل رمى بنبل اللحظ فِي مهجة ... غادرها بشغل شاغل وانعطف الصدغان فِي خَدّه ... رد كلامين على نابل وَالْبَيْت الْأَخير مَبْنِيّ على قسيم امْرِئ الْقَيْس حَيْثُ قَالَ: نظمتهم سلكي ومخلوجة. ونظمه كُله رائق الْمَعْنى، صَرِيح الدّلَالَة، صَحِيح المبنى؛ وَلَيْسَت المعارف؛ وَإِن تعدّدت طرقها وعزت ثَمَرَتهَا، متعذراً إِدْرَاكهَا، وَلَا سِيمَا على من جد فِي طلبَهَا؛ وَإِنَّمَا الصعب العسير معالجة الْأَخْلَاق بترك عوائدها، والتثني عَن سفسافها؛ ومجموع الْأَدْوِيَة المتخذة لأصلاح فاسدها يرجع إِلَى الْعقل الَّذِي عَلَيْهِ مدَار الْأَعْمَال كلهَا. وَلذَلِك قَالَ الْعلمَاء حَسْبَمَا تقدم عِنْد التَّكَلُّم فِي خِصَال الْقَضَاء: إِذا اجْتمع مِنْهَا فِي الرجل الْعقل والورع قدم. قَالَ ابْن حبيب: فَإِنَّهُ بِالْعقلِ يسْأَل، وبالورع يقف، وَإِذا طلب الْعلم وجده، وَإِذا طلب الْعقل لم يجده. وَكَانَ قد حصل مِنْهُ للشريف الْمَوْصُوف زِيَادَة لشرفة وفنون معارفه الْحَظ الوافر الْكَبِير، وَالْقدر الَّذِي يقصر عَن نعت محاسنه التَّعْبِير، بِحَيْثُ صَار الْمثل يضْرب بِهِ فِي كظم الغيظ، وَترك حظوط النَّفس، وَكَثْرَة التقاضي عَن النّظر للمساوي، إِلَى غير ذَلِك من سيره السّنيَّة، وسمائله الحسنية. هَذَا مَا تيَسّر بِحَسب الْوَضع من التَّنْبِيه على صِفَاته والتعريف بِبَعْض كمالاته. وَأما مشيخته، فَقَرَأَ بِبَلَدِهِ سبتة الْقُرْآن على وَالِده الْمُنْقَطع لإقراء كتاب الله ومدارسته، أبي الْعَبَّاس رَحمَه الله! وَأكْثر من مُلَازمَة الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أبي عبد الله ابْن هاني وَالْأَخْذ عَنهُ؛ فَانْتَفع بِهِ وتأدب بأدبه؛ وَقَرَأَ على القَاضِي الإِمَام أبي إِسْحَاق الغافقي وروى عَن أبي عبد الله الغماري وَعَن القَاضِي أبي عبد الله الْقُرْطُبِيّ وَعَن الْخَطِيب بن رَئِيس وَابْن حُرَيْث وَغَيرهم. وَله جملَة تصانيف مِنْهَا: رفع الْحجب المستورة، عَن محَاسِن الْمَقْصُورَة شرح فِيهِ مَقْصُورَة حَازِم بِمَا لاغاية بعده فِي المحاسن. وَمِنْهَا رياضة الْآن فِي شرح قصيدة الخزرجي، أبدع فِي ذَلِك غَايَة الإبداع. وَقيد على كتاب التسهيل لِابْنِ مَالك تقييداً مُفِيدا وبدائع جمة أثيرة. وناب عَنهُ فِي أقضيته، أَيَّام أَسْفَاره فِي معرض الرسَالَة إِلَى مُلُوك الْمغرب وَفِي غير ذَلِك،

الصفحة 176