كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

بهم، كتب إِلَيْهِم سرا لِيَسْأَلُوا لَهُ عَمَّن شهد عِنْده من أهل تِلْكَ الكورة؛ فَإِن كتبُوا لَهُ أَنه مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ، مَعْرُوف بالصلاح، أجَاز شَهَادَته، وَإِلَّا تَركهَا حَتَّى يعدل عَنهُ من يرضى. وَقَالَ أَشهب: إِذا كتب إِلَيْهِ غير الْعدْل: أَن بَينه فلَان تثبت عِنْدِي، فَلَا يقبل كِتَابه لِأَنَّهُ مِمَّن لَا تجوز شَهَادَته وَإِن لم يعرف حَاله؛ فروى ابْن حبيب عَن أصبغ: إِن جَاءَهُ بِكِتَاب قَاض لَا يعرفهُ بعدالة وَلَا سخطَة، فان كَانَ من قُضَاة الْأَمْصَار الجامعة مثل الْمَدِينَة، وَمَكَّة، وَالْعراق، وَالشَّام، ومصر، والقيروان، والأندلس، فلينفذه؛ وَإِن لم يعرفهُ، وليحمل مثل هَؤُلَاءِ على الصِّحَّة. وَأما قُضَاة الكور الصغار، فَلَا ينفذهُ حَتَّى يسْأَل عَنهُ الْعُدُول وَعَن حَاله. وَإِذا كتب قَاض إِلَى قَاض بِكِتَاب فِيهِ أَمر من الْأَقْضِيَة، وَفِيه اخْتِلَاف بَين الْفُقَهَاء والمكتوب إِلَيْهِ، لَا يرى ذَلِك الرَّأْي. فَإِن كتب إِلَيْهِ أَنه قد ذكر بِمَا فِي كِتَابه وأنفذه، جَازَ لَهُ ذَلِك وأنفذه؛ هَذَا وَإِن لم يكن قطع فِيهِ بِحكم وَإِنَّمَا كتب بِمَا ثَبت عِنْده، فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْمل فِيهِ بِرَأْي الَّذِي كتبه، وليعمل فِيهِ بِرَأْيهِ. قَالَ سَحْنُون: وَإِذا كتب بِأَمْر، فَرَأى هُوَ خِلَافه، فَلَا ينفذهُ، لِأَن ذَلِك لم يفد شَيْئا؛ فَلَا ينفذ هَذَا مَا لَيْسَ بصواب عِنْده. وَقَالَ ابْن حبيب عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون مثله. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب فِي الإِمَام الْبَين الْعَدَالَة يَأْمر رجلا بِإِقَامَة حد فِي رجم، أَو حرابة، أَو قتل، أَو قطع فِي سَرقَة، وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بقول الإِمَام؛ فَعَلَيهِ طَاعَته. قَالَ أَشهب. فَإِن لم يعرف بِالْعَدَالَةِ، فَلَا يطيعه فِي ذَلِك إِلَّا أَن يرى أَنه قد قضى فِي ذَلِك بِحَق؛ فَعَلَيهِ طَاعَته. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا اتَّضَح أَنه حكم بِحَق وَعلم، وَأَنه كشف عَن الْبَيِّنَة وَعدلُوا. قَالَ أَشهب: وَإِذا لم يدر مَا قضى بِهِ أبحق أم بهوى، فَلَا يجِيبه. قَالَ ابْن الْمَاجشون وَهُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز، وَابْن الْمَاجشون مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الْورْد: وَلَا تُطِع الجائر وَلَا تخدمه وَلَا تصدقه. وَقد تقدم صدر كتَابنَا هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن وهب عَن مَالك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. وَمَا ذهب إِلَيْهِ فِي مثلهَا الْأَبْهَرِيّ وَالله المرشد للصَّوَاب! فرعان: أَحدهَا: على القَاضِي الْغَائِب أَن يخْتَار الْبَيِّنَة الَّتِي تحمل كِتَابه، إِذا كَانَ مِمَّن يرى بذلك؛ وَيلْزم القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ قبُوله، وَيَقُول الشَّاهِد: إِن هَذَا كِتَابه إِلَيْنَا مَخْتُومًا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبُو ثَوْر: إِذا لم يقرأه عَلَيْهِمَا القَاضِي، لم يجز، وَلَا يعْمل القَاضِي الْمَكْتُوب

الصفحة 179