كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

مَالك فِيمَا روى عَنهُ ابْن نَافِع: كَانَ من أَمر النَّاس الْقَدِيم إجَازَة الْخَوَاتِم حَتَّى أَن القَاضِي ليكتب للرجل الْكتاب فِيمَا يزِيد على خَتمه؛ فيجاز لَهُ. ثمَّ اتهمَ النَّاس. فَصَارَ لَا يقبل إِلَّا بِشَاهِدين. وَقَالَ ابْن كنَانَة، وَعَن مطرف وَابْن الْمَاجشون: وَلَا ينفذ قَاض كتاب قَاض فِي الْأَحْكَام إِلَّا بعدلين، وَلَا ينفذهُ بِشَهَادَتِهِمَا أَنه خطّ القَاضِي، كَمَا لَا يجوز الشَّهَادَة على الْخط فِي الْحُدُود. وَلَا بَأْس إِذا كَاتبه فِي شَيْء يسْأَله عَنهُ من عَدَالَة شَاهد أَو أَمر يستخبره من أَمر الْخُصُوم أَن يقبل كِتَابه بِغَيْر شُهُود، إِذا عرف خطه، مَا لم يكن فِي قَضِيَّة قاطعه، أَو كتاب هُوَ ابتدأه بِهِ؛ فَلَا ينفذهُ إِلَّا بعدلين. وَأما كِتَابه إِلَى قَاضِي الْجَمَاعَة، أَو إِلَى فَقِيه يسْأَله ويسترشده ويخبره، فَهَذَا يقبله إِذا عرف خطه، أَو أَتَى بِهِ رَسُوله أَو من يَثِق بِهِ، إِلَّا أَن يَأْتِيهِ بِهِ الْخصم الَّذِي لَهُ الْمَسْأَلَة؛ فَلَا يقبله إِلَّا بعدلين. وَإِذا كَانَ لَهُ من يكاتبه فِي نواحي عمله، فِي أُمُور النَّاس وتنفيذ الأقضيه وَغير ذَلِك، فَلَا يقبل الْكتاب، يَأْتِيهِ مِنْهُم بالثقة يحملهُ، وبالشاهد الْوَاحِد، وبمعرفة الْخَاتم لقرب الْمسَافَة واستدراك مَا يخْشَى فَوته. وَإِذا افترق العملان، فَلَا بُد من الْبَيِّنَة؛ وَقَالَهُ أصبغ. ولسحنون نَحوه فِي أمنائه بِخِلَاف كتاب قُضَاته. وَفِي الْكتاب الْمقنع: قَالَ من أَثِق بِهِ: رَأَيْت الْعَمَل عِنْد الْقُضَاة أَن يكتبوا إِلَى أمنائهم، أَو إِلَى من أَحبُّوا أَن يتعرفوا من قبلهم، عَدَالَة بِشُهُود وَوضع شَهَادَات، ليعلموا فِي صِحَّتهَا من قبلهم، إِذا لم يكن الْمَكْتُوب إِلَيْهِم حكاماً، أَن يبعثوا إِلَيْهِم كتبهمْ مَعَ الطَّالِب بِغَيْر إِشْهَاد عَلَيْهَا، لَا يقبلوها مِنْهُم إِلَّا بعدلين من الشُّهُود. وَقَالَ ابْن حبيب عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون: لَا يجوز إِشْهَاد الْأُمَنَاء بِمَا أَمرهم القَاضِي بإنقاذه إِلَّا أَن يثبت إِشْهَاد القَاضِي على أصل الحكم، أَو على أمره لأمنائه بإنفاذه ذَلِك، وعَلى أَنهم أنفذوه ورفعوه إِلَيْهِ؛ وَيثبت ذَلِك كُله بِشَهَادَة غير الْأُمَنَاء. وَذكر ابْن عَبدُوس عَن ابْن الْقَاسِم: إِذا شهد شَاهِدَانِ على أَن الْأُمَنَاء أشهدوهم قبل عزل القَاضِي، على مَا أَتَاهُم من القَاضِي بِمَا ثَبت عِنْدهم من إِنْفَاذ القَاضِي لمن أنفذه، أَنه يكون بمنزله مَا يشْهد القَاضِي على مَا يَأْتِيهِ من الْقُضَاة، وَمَا يثبت عِنْده من إنفاذها. قَالَ القَاضِي أَبُو الْأَصْبَغ بن سهل: رَأَيْت قُضَاة شَرق الأندلس كتب بَعضهم إِلَى بعض فِي الْأَحْكَام بالخاتم، وَمَعْرِفَة الْخط، وَإِن لم يكْتب للْقَاضِي مِنْهُ بِخَط يَده إِلَّا العنوان لَا غير، وَإِن كَانَ حامله هُوَ الْمَكْتُوب لَهُ فِي الْكتاب،

الصفحة 181