كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

ويسلمونه إِلَيْهِ مَخْتُومًا؛ وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا لَا يجوز الْعَمَل بِهِ، وَلَا إِنْفَاذه، لَا سِيمَا إِذا كَانَ حامله صَاحب الْحُكُومَة. وَقد ذكر ابْن حبيب عَن ابْن الْقَاسِم وَغَيره: إِذا كَانَ حَامِل الْكتاب صَاحب الْقَضِيَّة، لم يجر فِيمَا هُوَ أخف من هَذَا فِي تحمله من عِنْد الْأمين، أَو من عِنْد الْفَقِيه وَشبهه. فَكيف فِي نفس الْحُكُومَة وَمن قَاضِي بَلَده إِلَى قَاضِي بَلْدَة أُخْرَى؟ هَذَا لَا يجوز عِنْد أحد، وَالْقَضَاء بِهِ مفسوخ؛ وَالله أعلم {وَأما إِذا تحمل الْكتاب شَاهِدَانِ، وشهدا بِهِ عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ، وَأثْنى عَلَيْهِمَا بِخَير، وَأَن لم تكن تعديلاً بَينا وزكى أَحدهمَا، وَلم يزك الآخر، أَو توهم فيهمَا الصّلاح، وَكَانَ الْخَتْم والخط مشهورين معروفين عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ؛ فَأَنا لَا أستحسن إجَازَة مثل هَذَا أَو إِنْفَاذه لَهُ، لتعذر مُوَافقَة الْعُدُول عَن الطَّالِب، وَلما قد جرى بِهِ الْعَمَل فِي صدر السّلف الصَّالح من إجَازَة الْخَاتم. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ} وَمن هَذَا الأَصْل: إِن مُحَمَّد بن شماخ، قَاضِي غافق، خَاطب صَاحب الْأَحْكَام بقرطبة مُحَمَّد بن اللَّيْث بخطاب أدرج فِيهِ إِلَيْهِ كتاب عِيسَى بن عتبَة فَقِيه مكناسة، وَعقد استرعاء بِملك بغل بعث فِيهِ ثَبت اسْتِحْقَاقه عِنْد ابْن عتبَة فَقِيه مكناسة على عين الْبَغْل وَعين مُسْتَحقّه؛ وَقَالَ ابْن شماخ فِي كِتَابه إِلَى صَاحب الْأَحْكَام: ثَبت عِنْدِي كتاب الْفَقِيه ابْن عتبَة مستخلف قَاضِي الْجوف، المدرج فِي طي كتابي إِلَيْك. وَلم يسم القَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ من هُوَ، وَلَا سمي ابْن عتبَة وَلَا كناه، وَلَا أَن ثُبُوته كَانَ عِنْده على عين الْبَغْل ومستحقه؛ وشاور صَاحب الْأَحْكَام فِي ذَلِك؛ فَأفْتى ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان وَابْن مَالك أَن إِعْمَال خطاب ابْن شماخ هَذَا وَاجِب، وَأَن الحكم فِيهِ نظر مِنْهُ مَحْمُول على الْإِكْمَال؛ وَفِي اتِّفَاقهم على الْجَواب عجب، وَفِيه من الضعْف مَا فِيهِ؛ وَقد كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيمَا هُوَ أصح من هَذَا فِي النّظر؛ وَمَا جوابهم هَذَا إِلَّا مُسَامَحَة. وَالله أعلم! قلت: وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْعَمَل لهَذَا الْعَهْد، بالأندلس وَالْمغْرب، مَا تعرفناه عَن كثير من بِلَاد الْمشرق من الِاقْتِصَار على معرفَة الخطوط بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا؛ فَإِذا أثبت عِنْد الْحَاكِم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن الْخطاب هُوَ بِخَط يَد القَاضِي الَّذِي خاطبه بِهِ، وَكتب اسْمه فِيهِ قبله، إِن كَانَ عِنْده من أهل الْقبُول، وأمضاه، وَحكم بِمُقْتَضَاهُ. وَمَا استأهل الْمُتَأَخّرُونَ الْأَخْذ

الصفحة 182