كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

وَقد كنت أخذت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ شَيخنَا القَاضِي أبي عبد الله بن عَيَّاش؛ فَمَال إِلَى التَّسْلِيم، وَأَشَارَ بإيثار التسديد، وَإِن كَانَ رَحمَه الله {يستضعف الْعَمَل بِإِجَازَة الشَّهَادَة على خطوط الْقُضَاة، لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ من الحكم بهَا فِي الْحُدُود والأنكحة، وبعير ذَلِك من الْعمَّال، وبخصوص إِذا أَتَى بالمرسوم صَاحب حُكُومَة والمتكلم بِالْخُصُومَةِ؛ فكثيراً مَا كَانَ يتَوَقَّف على إِمْضَاء الحكم، وَيذْهب مَا ذهب إِلَيْهِ فِي مثلهَا ابْن سهل، وَمن تقدمه من الْأَئِمَّة، وَيَقُول عَن الشَّهَادَة على الْخط إِنَّهَا على الْجُمْلَة من العظائم، وَإِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي حَملته على الاستعفاء من الْقَضَاء، إِذا لم يقدر على إِزَالَتهَا، وَلَا سهل عَلَيْهِ فِي كل النَّوَازِل تحمل عهدتها. وَقد وَقع التَّعْرِيف بِهَذَا الرجل الْفَاضِل عِنْد وضع اسْمه فِيمَا تقدم من هَذَا الْمَجْمُوع. وَمن أخباره إِنِّي كنت قَاعِدا يَوْمًا مَعَه بِمَجْلِس الْقَضَاء من مالقة، زمَان ولَايَته بهَا؛ فَأَتَاهُ أحد الْفُقَهَاء بِعقد عَلَيْهِ خطاب قَاض مَعْرُوف الْخط، مَعْلُوم الْولَايَة. فَقَالَ لَهُ: أبقاكم الله} يشْهد عَلَيْكُم بأعمال هَذَا الْخط؟ فَقَالَ: يشْهد بِثُبُوت ذَلِك الرَّسْم من وَجه آخر ذكره؛ ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن القَاضِي، الَّذِي قد كَانَ خاطبه بِهِ، لَيْسَ هُوَ عِنْده من أهل الِاسْتِحْقَاق للْقَضَاء فِي عَدَالَته، وورعه، ونزاهته؛ فَظهر لَهُ أَن يَأْخُذ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ يحيى فِي مَسْأَلَة قَاضِي الكورة، إِذا لم يكن موثوقاً بِهِ. وَقد تقدم الْكَلَام فِي ذَلِك. تَنْبِيه على جَوَاز الْمُسَامحَة فِي الْخطاب، إِذا وَقع فِيهِ الْغَلَط: قَالَ عبد السَّلَام بن سعيد الملقب بسحنون: وَلَو كتب قَاض إِلَى قَاضِي الْبَصْرَة، وَسَماهُ، فَأَخْطَأَ باسمه أَو اسْم أَبِيه وَنسبه، لنفذ ذَلِك، إِذا نسبه إِلَى الْمصر الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَشهِدت الْبَيِّنَة بذلك، وَلَيْسَ كل من كتب كتابا يعنونه؛ فَإِذا شهِدت بَيِّنَة أَنه كتبه قلبه، وَلم ينظر فِي اسْمه، وَإِذا كَانَ الْكتاب لِرجلَيْنِ، فَحَضَرَ أَحدهمَا: فَإِنِّي أقبل الْبَيِّنَة وَالْكتاب، وأنفذ الحكم للحاضر؛ فَإِذا حضر الْغَائِب، أنفذت لَهُ الحكم، وَلَا أُعِيد الْبَيِّنَة وَإِذا أمكن تعْيين الْخطاب، فَهُوَ من الصَّوَاب؛ والاطلاق سَائِغ، لَا سِيمَا عِنْد شدود الْغَرِيم. فقد سُئِلَ مَالك عَن الرجل يثبت حَقه عِنْد القَاضِي، أيعطيه كتابا إِلَى أَي الْآفَاق كَانَ، وَلَا يُسمى فِيهِ

الصفحة 184