كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

بذلك الْمصر، فأرادوا الْمُخَاصمَة عِنْده، وَالشَّيْء الَّذِي يختصمان فِيهِ فِي بِلَاد ذَلِك القَاضِي الْغَائِب عَن عمله، إِلَّا أَن يتراضيا عَلَيْهِ، كتراضيهما بعد أَن يحكم بَينهمَا، ويلزمهما أَن قضى بِالْحَقِّ. وكل من تعلق بِرَجُل فِي مطلب، فَإِنَّمَا يخاصمه حَيْثُ تعلق بِهِ، إِن كَانَ ثمَّ قَاض أَو أَمِير، كَانَ الْمَطْلُوب بذلك الْبَلَد أَو غَائِبا عَنهُ، كَانَ إقرارهما بذلك الْبَلَد أَو لم يكن، لَا تكن الْخُصُومَة إِلَّا حَيْثُ ترافعا. وَمن كتاب أدب الْقُضَاة لمُحَمد بن عبد الله ابْن عبد الحكم فَإِذا حج القَاضِي، فَنزل بِمصْر أَو غَيرهَا، فَأَتَاهُ قوم من أهل عمله يسألونه أَن يسمع من بينتهم على رجل فِي عمله، وَكَانَ قد شهد عِنْده شُهُود فِي عمله، فأرادوا مِنْهُ أَن يكْتب إِلَى وَالِي الْعرَاق، أَو يشْهد على كتبه بذلك إِلَى وَالِي مَكَّة، أَو يحكم لَهُم بِحكم من شهد عِنْده عَلَيْهِ قبل ذَلِك، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ لَيْسَ وَالِي ذَلِك الْبَلَد؛ فَلَيْسَ لَهُ أَن يسمع من بَينته، أَو يشْهد على كتاب قَاض إِلَى قَاضِي بلد آخر، أَو يشْهد كَذَلِك رَفعه إِلَى من هُوَ فَوْقه وَكَانَ هُوَ شَاهدا. قَالَ ابْن رشد: حكم القَاضِي على الرجل، بِمَا أقرّ بِهِ عِنْده دون بَيِّنَة تشهد عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ عِنْده، يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهمَا أَن يقر عِنْده قبل أَن يستقضى؛ وَالثَّانِي أَن يقر عِنْده فِي غير مجْلِس الحكم بعد أَن يستقضى؛ وَالثَّالِث أَن يقر بَين يَدَيْهِ لخصمه فِي مجْلِس حكمه. فَأَما إِذا أقرّ عِنْده قبل أَن يستقضى، فَلَا اخْتِلَاف بَين أحد من أهل الْعلم فِي أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يحكم عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار؛ فَإِن فعل، رد ذَلِك الحكم وفسخه هُوَ وَمن بعده من الْقُضَاة والحكام؛ وَأما مَا أقربه عِنْده بعد أَن يستقضى فِي غير مجْلِس الْقَضَاء، فَلَا اخْتِلَاف فِي الْمَذْهَب فِي أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يحكم عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار دون بَيِّنَة تشهد بِهِ عَلَيْهِ. وَأهل الْعرَاق يَقُولُونَ أَنه يقْضى عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار دون بَيِّنَة بِخِلَاف الْحُدُود، على مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة. وَقد حكى عَنْهُم أَنه يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُود وَهُوَ بعيد؛ فَإِن قضى عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار، نقض حكمه بذلك مَا لم يحكم على الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب، وَلم يردهُ من بعده من الْقُضَاة والحكام، مُرَاعَاة لقَوْل أهل الْعرَاق. وَأما مَا أقرّ بِهِ عِنْده أحد الْخَصْمَيْنِ فِي مجْلِس قَضَائِهِ، ثمَّ جَحده وَلَا بَيِّنَة عَلَيْهِ، فالاختلاف فِيهِ مَوْجُود فِي الْمَذْهَب، وَإِن كَانَ ابْن الْمَوَّاز قد ذكر أَنه لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك بَين أَصْحَاب مَالك. قَالَ ابْن الْمَاجشون: وَالَّذِي عَلَيْهِ قضاتنا بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا، وَلَا أعلم مَالِكًا

الصفحة 189