كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

رَحمَه الله {قَالَ غَيره، أَنه يقْضِي عَلَيْهِ بِمَا سمع مِنْهُ وَأقر بِهِ عِنْده. وَإِلَيْهِ ذهب مطرف، وَأصبغ، وَسَحْنُون. قَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد: وَهُوَ دَلِيل قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} فِي الصَّحِيح: إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ {الحَدِيث، إِلَى قَوْله: فأقضى لَهُ على نَحْو مَا أسمع مِنْهُ لِأَنَّهُ قَالَ: على نَحْو مَا أسمع وَلم يقل على مَا ثَبت عِنْدِي من قَوْله. وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب أَنه لَا يقْضى عَلَيْهِ إِذا جحد، وَهُوَ قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَة، إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِ عِنْده من حضر مَجْلِسه؛ فَيحكم عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ دون إعذار. وَمن عقد الْجَوَاهِر: فَإِن لم يُنكر حَتَّى حكم، ثمَّ أنكر بعد الحكم، وَقَالَ: مَا كنت أَقرَرت بِشَيْء} لم ينظر إِلَى إِنْكَاره. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب. وَقد تقدم لنا طرف من الْكَلَام صدر هَذَا الْكتاب على تَفْسِير الحَدِيث الْمُسَمّى؛ وَذكرنَا أَن عياضاً نقل عَن الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر وَمن تبعهما أَن للْقَاضِي أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي كل شَيْء من الْأَمْوَال وَالْحُدُود وَغير ذَلِك، مِمَّا سَمعه، أَو رَآهُ قبل قَضَائِهِ وَبعده، وبمصره وَغَيره. ونضيف الْآن إِلَى ذَلِك من الْأَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة مَا يَأْتِي بعد على التَّقْرِيب، وَإِن كَانَ قد مر حَاصِل مَجْمُوعه. فَنَقُول، تبركاً بِإِعَادَة الْكَلَام فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ: ثَبت فِي كتاب البُخَارِيّ بَاب من رأى للْقَاضِي أَن يحكم بِعِلْمِهِ فِي أُمُور النَّاس إِذا لم يخف الظنون والتهمة كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام {لهِنْد: خذي مَا بكفيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ ابْن خلف فِي شَرحه مَا نَصه: اخْتلف الْعلمَاء فِي القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر: جَائِز لَهُ أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق الله وَحُقُوق النَّاس سَوَاء، علم ذَلِك قبل الْقَضَاء أَبُو بعده. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: مَا شَاهده الْحَاكِم من الْأَفْعَال الْمُوجبَة للحدود قبل الْقَضَاء أَو بعده فَإِنَّهُ يحكم فِيهِ بِعِلْمِهِ إِلَّا الْقَذْف، وَمَا علمه قبل الْقَضَاء من حُقُوق النَّاس لم يحكم فِيهِ بِعِلْمِهِ فِي قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: يحكم فِيمَا علمه قبل الْقَضَاء. وَقَالَ طَائِفَة: لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ أصلا فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْآدَمِيّين، وَسَوَاء علم ذَلِك قبل الْقَضَاء أَبُو بعده، أَو فِي مَجْلِسه. هَذَا قَول شُرَيْح وَالشعْبِيّ؛ وَهُوَ قَول مَالك، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وَأبي عبيد. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: مَا أقرّ بِهِ الخصمان عِنْده، أخذهما بِهِ، وأنفذه عَلَيْهِمَا،

الصفحة 190