كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

الْحق الْمَحْض الَّذِي لَا مرية فِيهِ، وكملت لَدَيْهِ موجباته، أنفذه وأمضاه أحبه من أحبه، أَو كرهه من كرهه. وَمِمَّنْ قَامَ بِهِ من الْقُضَاة بقرطبة، نصر بن ظريف. وَمِنْه علمه مَعَ حبيب الْقرشِي فِي الضَّيْعَة الَّتِي قيم فِيهَا عَلَيْهِ بِدَعْوَى الاغتصاب، وَنَهَاهُ الْأَمِير عِنْد شكواه عَن العجلة عَلَيْهِ، فَخرج من فوره وَعمل بضد مَا أُرِيد مِنْهُ، وأمضى الحكم على وَجهه وسجل بِهِ، وَقد مر ذكر ذَلِك فِي اسْمه. وَمن كَلَام سَحْنُون، حِين سُئِلَ عَن القَاضِي يثبت عِنْده الْحق للرجل، فيريد أَن يسجل لَهُ كتابا بِمَا ثَبت عِنْده، فيحضر خُرُوج الإِمَام غازياً؛ فيأمر القَاضِي بِأَن لَا ينظر إِلَى أحد إِلَى انْصِرَافه، فَيكون من رأى القَاضِي الْإِشْهَاد والتسجيل لصَاحب الْحق، فيفعل بعد تقدم الإِمَام إِلَيْهِ، لَازم أَو لَا؟ أَتَرَى حكمه مَاضِيا؟ قَالَ: نعم {أرَاهُ لَازِما مَاضِيا. قَالَ ابْن رشد: هَذَا بَين مَا قَالَ، لِأَنَّهُ لم يعزله، وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَن الحكم؛ والتسجيل لَيْسَ بِحكم. فَلهُ أَن يسجل بِمَا تقدم حكمه بِهِ قبل أَن يَأْمُرهُ بالتوقف عَن الحكم. وَفِي الْوَاضِحَة: إِن الإِمَام، إِذا أَمر القَاضِي أَن يدع الحكم فِي أَمر قد شرع فِيهِ عِنْده، فَلهُ أَن يدع ذَلِك إِذا لم يتَبَيَّن لَهُ حق أَحدهمَا؛ فَلَا يدع ذَلِك إِلَّا بعزل. وَهُوَ قَول سَحْنُون. هَذَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق} وَقد مر الْكَلَام أَيْضا فِي اسْم المصعب بن عمرَان، عِنْد قصَّة الْعَبَّاس بن عبد الْملك أَيَّام خلَافَة هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة. وحاصلها أَن الْأَمِير أرسل إِلَيْهِ مَعَ خَليفَة لَهُ من أكَابِر فتيانه بعزمه مِنْهُ، يَقُول لَهُ: لَا بُد أَن تكف عَن النّظر فِي هَذِه الْقِصَّة، لأَكُون أَنا النَّاظر فِيهَا. فَلَمَّا جَاءَهُ وأبلغه عزمته، أمره بِالْعُقُودِ، ثمَّ أَخذ قرطاساً، فسواه وَعقد فِيهِ حكمه وأنفذه لوقته بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ؛ ثمَّ قَالَ للرسول: اذْهَبْ إِلَى الْأَمِير أصلحه الله {فَأعلمهُ أَنِّي قد أنفذت مَا لزمني من الْحق خوف الْحَادِثَة على نَفسِي وَرَهْبَة من السُّؤَال عَنهُ. إِن شَاءَ تنقضه، فَذَلِك لَهُ} فليتقلد مِنْهُ مَا أحب {فَوَافَقَ هَذَا الْعَمَل الجزل من المصعب رَحمَه الله} نَص الْوَاضِحَة، وَجرى فِي ميدانه على الطَّرِيقَة الحميدة.

الصفحة 193