كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

وَسميت فُصُول المقالات المنعقدة عِنْد الْقُضَاة قبل التسجيلات وَهِي الَّتِي تستفتح بهَا الْخُصُومَات محَاضِر، على ماحكاه مُحَمَّد بن حَارِث؛ وَاحِدهَا محضرة ليلزمها من هَذَا الِاسْم عِنْد الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين وَهُوَ مَأْخُوذ من حُضُور الْخَصْمَيْنِ بَين يَدي القَاضِي. وَاخْتلف فِي اللَّفْظ الَّتِي تفتتح بِهِ تِلْكَ الْفُصُول، فَكتب بَعضهم: حضرني فلَان، لِأَن تِلْكَ الصَّحِيفَة عِنْده وَفِي ديوانه، فَكَأَنَّهُ مُخَاطب لنَفسِهِ، ومذكر لَهَا بِمَا كَانَ بَين يَدَيْهِ. وَكتب بَعضهم: وَقَالَ القَاضِي فلَان بن فلَان، بِبَلَد كَذَا: حضرني فلَان وَكَانَ بَعضهم يكْتب: قَالَ القَاضِي: حضرني. قَالَ عِيسَى: وَهَذَا كُله عِنْدِي إِذا كتب بِخَط يَده؛ وَأما إِن كتب عِنْده كَاتب، فَلَا يكْتب: حضرني، لِأَنَّهُ يَقع فِي الظَّاهِر كِنَايَة عَن الْكَاتِب. قَالَ ابْن حَارِث: وَالَّذِي جرى بِهِ رسم قُضَاة الْجَمَاعَة بقرطبة أَن يكْتب الْكَاتِب: قَالَ القَاضِي فلَان بن فلَان، قَاضِي الْجَمَاعَة بِكَذَا: فلَان بن فلَان قَامَ عَلَيْهِ خَصمه فلَان، فَادّعى عَلَيْهِ بِكَذَا. فَقَالَ فلَان إِنَّه لَا يعرف شَيْئا من ذَلِك، وَلَا يقر بِهِ. تَنْبِيه: وَيجب على القَاضِي، إِذا حضر الخصمان، أَن يٍسأل الْمُدعى عَن دَعْوَاهُ، ويفهمها عَنهُ. فَإِن كَانَت دَعْوَى لَا يجب بهَا على الْمُدعى عَلَيْهِ حق، أعلمهُ بذلك، وَلم يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن شَيْء، وَأَمرهمَا بِالْخرُوجِ عَنهُ. وَإِن نَقصه من دَعْوَاهُ مَا فِيهِ بَيَان مطلبه ومعزاه، أقره بِتَمَامِهِ. وَإِن أَتَى بإشكال، أمره كَذَلِك ببيانه؛ فَإِذا صحت الدَّعْوَى، سَأَلَ الْمَطْلُوب عَنْهَا؛ فَإِن أقرّ أَو أنكر، نظر فِي ذَلِك بِمَا يجب؛ وَإِن أبهم جَوَابه، أمره بتفسيره، حَتَّى يرْتَفع الْإِشْكَال عَنهُ، وَقيد ذَلِك كُله عَنْهُمَا فِي كتاب، وَيشْهد عَلَيْهِمَا بِهِ من حضر. وَقد سطر المؤثقون فِي ذَلِك مَا فِيهِ مقنع ومفتاح الطّلب وَالْإِعْرَاب عَن الْمَذْهَب، وَفِيه رفع الشغب، فَلَا يدع الْحُكَّام أَخذ المخصوم بِهِ. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب! فَإِذا انْعَقَد فِي مجْلِس القَاضِي مقَال بِإِقْرَار أَو إِنْكَار، وَشهد بِهِ عِنْده على الْقَائِل شُهُود الْمجْلس، على مَا ذَكرْنَاهُ، أنفذ القَاضِي تِلْكَ الْمقَالة على قَائِلهَا، وَلم يعْذر إِلَيْهِ فِي شَهَادَة شهودها، لكَونهَا بَين يَدَيْهِ، وَعلمه بهَا، وَقطعَة بحقيقتها. قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم وَسُقُوط الْإِعْذَار فِي هَذَا إِجْمَاع من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين. وَكَذَلِكَ ذكر ابْن الْعَطَّار فِي وثائقه وَأنْكرهُ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عمر بن الفخار الْحَافِظ وَقَالَ: هَذَا اخْتِلَاط؛ وَكَيف يجوز أَن يقْضى بِشَهَادَتِهِمَا، من غير

الصفحة 194