كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

أَن يعْذر فِيهَا إِلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَقد ينْكَشف عِنْد الْإِعْذَار فيهمَا أَنَّهُمَا غير عَدْلَيْنِ، إِذْ قد يأتى الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِمَا يُوجب رد شَهَادَتهمَا من عَدَاوَة، أَو تفسيق، وَإِنَّمَا لم يقْض القَاضِي بِعِلْمِهِ دون بَيِّنَة، لِأَن فِيهِ تَعْرِيض نَفسه للتهم. وَقد حكى حَاصِل ذَلِك كُله ابْن سهل فِي كِتَابه، وَنَصه غَيره من نظرائه. وَيُؤَيّد مَا قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم وَابْن الْعَطَّار مَا فِي سَماع أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك فِي الْقَوْم يشْهدُونَ عِنْد القَاضِي. ويعدلون. قيل لمَالِك: هَل يَقُول القَاضِي للَّذي شهد عَلَيْهِ دُونك مخرج؟ فَقَالَ: إِن فِيهَا لتوهيناً للشَّهَادَة، وَلَا أرى إِذا كَانَ عدلا أَو عدل عِنْده أَن يفعل. فَهَذَا مَالك قد أسقط الْإِعْذَار هَا هُنَا فِيمَا عدل عَنهُ، فَكيف بِهِ فِيمَن هُوَ عِنْده عدل، وَشهد لَدَيْهِ بِمَا سَمعه فِي مَجْلِسه، واستوى فِيهِ علم الشُّهُود وَعلمه؟ وَمن الْفُقَهَاء من قَالَ: إِن كتب الشُّهُود فِي مجْلِس القَاضِي شَهَادَتهم على مقَال مقرّ أَو مُنكر فِيهِ، وَلم يشْهدُوا بهَا عِنْد القَاضِي فِي ذَلِك الْمجْلس، ثمَّ أدوها بعد ذَلِك عِنْده، إِذا احْتِيجَ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ يعْذر فِي شَهَادَتهم إِلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِخِلَاف إِذا أدوها فِي الْمجْلس نَفسه الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمقَال. والإعذار للْمُبَالَغَة فِي طلب إِظْهَار الْعذر. وَمِنْه: قد أعذر من أنذر، أَي بَالغ فِي الْعذر من تقدم إِلَيْك فأنذرك. وَمِنْه أَيْضا: إعذار القَاضِي إِلَى من ثَبت عَلَيْهِ حق يُؤْخَذ فِي الْمَشْهُود بذلك. وَمن أعذر إِلَيْهِ، فَادّعى مدفعاً أجل فِي إثْبَاته فِي الدُّيُون وَشبههَا ثَمَانِيَة أَيَّام سوى الْيَوْم الْمَكْتُوب فِيهِ الْأَجَل، ثمَّ سِتَّة أَيَّام، ثمَّ أَرْبَعَة أَيَّام، ثمَّ يتلوم عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام. وَقيل: الأَصْل فِي الْإِعْذَار قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام {فِي الهدهد: " لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} " وَقيل فِي التَّلَوُّم أَصله قَوْله تَعَالَى " تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام. وَذَلِكَ وعد غير مَكْذُوب! ". وَضرب الْآجَال مَصْرُوف إِلَى اجْتِهَاد الْقُضَاة والحكام، وَلَيْسَ فِيهَا حد مَحْدُود لَا يتَجَاوَز، إِنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَاد، وبحسب مَا يُعْطِيهِ الْحَال. فَإِذا كَانَ الْأَجَل الْمَضْرُوب فِي الْأُصُول أجل الْمَعْذُور إِلَيْهِ من طَالب أَو مَطْلُوب خَمْسَة عشر يَوْمًا، ثمَّ ثَمَانِيَة أَيَّام، ثمَّ

الصفحة 195