كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

تكون الإنشادات كلهَا الخطية واللفظية على سنَن وَاحِد فِي الحكم بهَا عِنْد الشَّهَادَة عَلَيْهَا فِي الْأَمْوَال وَغَيرهَا. وَلما ذكر ابْن خيرة طَريقَة شَيْخه ابْن رشد فِي الْجمع بَين مَا فِي الْوَاضِحَة وَمَا فِي سَماع أَشهب، فِي مَسْأَلَة دَعْوَى الطَّلَاق على الزَّوْج، قَالَ: إِنَّه جمع حسن إِلَّا أَن نَص مَا فِي الْوَاضِحَة خلَافَة؛ فالأصوب أَنَّهُمَا قَولَانِ. وَقد قَالَ ابْن الْمَوَّاز: الَّذِي نَأْخُذ بِهِ بِأَن لَا يجوز من الْخط شَيْء إِلَّا من كتب خطه على نَفسه؛ فَإِنَّهُ كَالْإِقْرَارِ على نَفسه. قَالَ: وَهُوَ قَول مَالك. وَهَذَا هُوَ القَوْل الْمُخَالف لما فِي الْوَاضِحَة أَنه أطلق القَوْل فِي لُزُوم ماالتزمه الْإِنْسَان بِخَطِّهِ، وَلم يخص مَالا من غَيره وَوجه الْفرق بَين خطّ الشَّاهِد وخطه الالتزامات. وَمَا ترَتّب من الْحُقُوق الْوَاجِبَات، مَا ذكره ابْن حَارِث فِي كتاب الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف لَهُ؛ وَذَلِكَ أَنه ضعف الشَّهَادَة على خطّ الشَّاهِد. قَالَ: لِأَنَّهُ قد يكْتب شَهَادَته من لَا يُؤدى، وَمن إِذا سُئِلَ الْأَدَاء، استراب، وَمن لَا يعرف من أشهده إِلَّا على عينه؛ وَهَذَا كُله توهين للْعَمَل على خطّ الشَّاهِد، بِخِلَاف إِقْرَار الْإِنْسَان على نَفسه أَو كتبه مَا يعلن عَلَيْهِ حَقًا لغيره. مَسْأَلَة أُخْرَى. وَهِي: من وجد بِخَطِّهِ شَيْء من الْمذَاهب الفلسفية الْمُخَالفَة للشريعة، أَو مَا بمنزلتها فِي هَذَا الْمَعْنى، حكمهَا أَن ينظر فِي الْمَكْتُوب؛ فَإِن كَانَ فِيهِ تَصْرِيح أَن كَاتبه يَقُول بِهِ ويرتضيه، وَهُوَ بِلِسَانِهِ يُنكره وينفيه، فيجرى حكمه على مَا سبق ذكره فِي الْخط، إِذا ثَبت من تَعْلِيق يَمِين بِهِ، أَو سجن إِن لم يحلف على نَفْيه، أَو إِنْفَاذ مَا يُوجِبهُ الْخط على من أقرّ بمضمنه، بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ؛ وَإِن كَانَ الْخط بِتِلْكَ الْمذَاهب نقلا مُرْسلا غير مُضَاف قولا لكَاتبه، وَلَا مرتضى لَهُ مذهبا من قبله، فبئس من كتب بِيَدِهِ، مِمَّا هُوَ عرضة للإخلال، وَهُوَ رصد لِلطَّعْنِ على الدّين بِسَبَبِهِ؛ وَهُوَ حقيق بالتحريق والزجر عَن مثله. وَقد قَالَ تَعَالَى فِي قوم أَضَلُّوا غَيرهم بمكتوبهم: " فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم! " وَقد تقدم فِي اسْم مُحَمَّد بن يبْقى بن زرب مَا كَانَ من عمله سنة 350 جملَة من أَتبَاع ابْن مَسَرَّة الْجبلي، وَأَنه استتابهم، وأحرق مَا وجد من كتبهمْ وأوضاعه عِنْدهم.

الصفحة 201