كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

وَجرى مثل ذَلِك أَيْضا بِحَضْرَة غرناطة، منتصف عَام 773، فِي كتب ألفيت بهَا من تواليف مُحَمَّد بن الْخَطِيب، فِيمَا يرجع إِلَى العقائد والأخلاق؛ فأحرقت بِمحضر من الْفُقَهَاء، والمدرسين من الْعلمَاء، وأماثيل الْفُقَهَاء، لما تضمنته الْكتب الْمَذْكُورَة من المقالات الَّتِي أوجبت ذَلِك عِنْدهم، وحققته لديهم. وَمن الْكَلَام الَّذِي استعظم بالأندلس فِي حق القَاضِي أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ، الَّذِي أفْصح بِهِ قَوْله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّه كتب بِيَدِهِ؛ وَكَانَ أصل ذَلِك أَنه قرئَ عَلَيْهِ بِمَدِينَة دانية فِي كتاب البُخَارِيّ حَدِيث المقاضاة؛ فَتكلم عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَى تصويب من قَالَ بِظَاهِرِهِ. فَقيل لَهُ: وعَلى من يعود ضمير قَوْله كتب} فَقَالَ: على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَقيل لَهُ: وَكتب بِيَدِهِ؟ قَالَ: نعم} أَلا تَرَوْنَهُ يَقُول فِي الحَدِيث: فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْكتاب وَلَيْسَ يحسن الْكتاب؛ فَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله. قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي سراجه: فأعملوا ونسبوا كل تَكْذِيب وتعطيل إِلَيْهِ. كَانَ من قَوْله إِن النَّبِي الْأُمِّي يجوز أَن يكْتب بعد أميته؛ فَيكون ذَلِك من معجزاته. وَكتب أَمِير وَطنه فِي الْمَسْأَلَة إِلَى إفريقية وصقلية، برغبة الْبَاجِيّ فِي ذَلِك. فَجَاءَت الْأَجْوِبَة من هُنَالك بتصديقه وتصويب مقَالَته. فَسلم فِيهَا قوم؛ وصدرت من بعض الْفُقَهَاء بالأندلس، فِي معرض الرَّد لَهَا وَإِبْطَال مضمنها، أوضاع، مِنْهَا جُزْء للزاهد أبي مُحَمَّد ابْن مفوز. قَالَ صَاحب الْإِكْمَال: فطال كَلَام كل فرقة فِي هَذَا الْبَاب، وشنعت كل وَاحِدَة على صاحبتها. " وربكم أعلم بِمن هُوَ أهْدى سَبِيلا} " وَنَرْجِع مَا كُنَّا بسبيله من الْكَلَام. فَنَقُول: وَأما شَهَادَة الشَّاهِد على خطّ يَده فِي شَهَادَته وَهُوَ لَا يذكرهَا، فَفِي سَماع أَشهب: قيل لمَالِك، فِي الرجل يُؤْتى بِخَط يَده على شَهَادَة لَا يذكر مِنْهَا شَيْئا؛ قَالَ: أرى أَن يرفع شَهَادَته على وَجههَا، يَقُول: أرى كتابا يشبه كتابي، وَأَظنهُ اياه؛ وَلست أذكر شهادتي، وَلَا مَتى كتبتها قيل لَهُ: فَإِن كَانَ جلدا أَبيض لَا محو فِيهِ وَلَا شَيْء، وَعرف خطّ يَده، فَقَالَ: رُبمَا ضرب على الْخط وعَلى الْكتاب؛ فَأرى أَن يرفع شَهَادَته على وَجههَا. وَقَالَ عَنهُ ابْن نَافِع:

الصفحة 202