كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا = تاريخ قضاة الأندلس

لَا يشْهد. وَقَالَ: قد أتيت غير مرّة بِخَط يَدي، وَلم أثبت على الشَّهَادَة؛ فَلم أشهد. قَالَه ابْن الْقَاسِم وَأصبغ. وَقَالَ ابْن حبيب: وَهُوَ الْأَحْوَط. وَفِي المستخرجة: قيل لسَحْنُون: أَرَأَيْت الرجل يعرف خطه فِي الْكتاب، لَا يشك فِي ذَلِك، وَلَا يذكر كل مَا فِيهِ؟ فَقَالَ: قد اخْتلف فِيهِ أَصْحَابنَا؛ وَالَّذِي أَقُول بِهِ، إِذا لم ير فِي الْكتاب محواً وَلَا لَحقا وَلَا شَيْئا يستذكر، وَرَأى الْكتاب كُله خطا وَاحِدًا، فَأرى أَن يشْهد، وَأَن يَقُول: أشهد بِمَا فِيهِ. وَهَذَا الْأَمر لَا يجد النَّاس مِنْهُ بدا، وَلَا يَسْتَطِيع أحد أَن يذكر جَمِيع مَا فِي الْكتاب. قيل لَهُ: فَلَو أَنه عرف الْكتاب كُله وَعرف خطه فِي الْكتاب كُله، وَفِيه شَهَادَته، وَلم ير شَيْئا يستذكر، وَلم يذكر مِنْهُ شَيْئا؟ فَقَالَ: أرى أَن يشْهد بِهِ؛ وَلَو أَنه أعلم بذلك القَاضِي، رَأَيْت للْقَاضِي أَن يُجِيز شَهَادَته جَائِزَة إِذا ذكر أَنه خطّ الْكتاب، وَكتب شَهَادَته بِيَدِهِ، وَلم ير فِيهِ محواً، وَلَا يَشكونَ أَنَّهَا جَائِزَة. وَقَالَ سَحْنُون: قَالَ ابْن وهب عَن مَالك: إِذا أَتَى الرجل بِالْكتاب فِيهِ شَهَادَته، فَيعرف خطّ يَده وَلَا يذكر شَهَادَته وَلَا شَيْئا مِنْهَا، فَيَقُول بعض الشُّهُود الَّذين فِي الْكتاب مَعَه: نشْهد أَنه كتاب يدك وَأَنَّك كتبته مَعنا، وَلَا يذكر هُوَ شَيْئا من ذَلِك قَالَ: إِن كَانَ استيقن أَنه كِتَابه وَخط يَده، وَيعلم ذَلِك ويثبته، فَيشْهد عَلَيْهِ؛ وَإِن كَانَ إِنَّمَا يعلم ذَلِك بِخَبَر غَيره، وَقَوْلهمْ لَهُ، فَلَا أرى أَن يشْهد عَلَيْهِ. وَعَن ابْن وهب عَن مَالك: من عرف خطّ يَده فِي شَهَادَته فِي ذكر حق وَلم يثبت عدَّة المَال، إِن استيقن أَنه خطّ يَده، وَإِن كَانَ لَا يثبت عدَّة، فليشهد عَلَيْهِ. وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يقْضى بِهِ إِذا اشْهَدْ عِنْده أَنه خطّ يَده، وَإِن لم يشْهد عِنْده على عدَّة المَال. وَمن شرح خلف بن بطال: اتّفق جُمْهُور الْعلمَاء على أَن الشَّهَادَة على الْخط لَا تجوز، إِذا لم يذكر الشَّهَادَة وَلَا يحفظها. قَالَ الشّعبِيّ: وَلَا يشْهد أبدا إِلَّا على شَيْء يذكر: فَإِنَّهُ من شَاءَ، انتقش خَاتمًا، وَمن شَاءَ كتب كتابا. وَمِمَّنْ رأى أَن لَا يشْهد على الْخط، وَإِن عرفه، حَتَّى يذكر الشَّهَادَة، الْكُوفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَأكْثر أهل الْعلم. وَقد فعل مثل هَذَا فِي أَيَّام عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ! : صَنَعُوا مثل خَاتمه، وَكَتَبُوا مثل كِتَابه، فِي قصَّة مَذْكُورَة فِي مقتل عُثْمَان.

الصفحة 203